تريد أن تترك الصلاة حياءً من الله لأنها تقع في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[اعلم أن الزنا من الفواحش، وأخجل من الوقوف بين يدي الله للصلاة بعد الاغتسال من الجنابة بسببه، وأسأل الله المغفرة وصدقني بأنني غير مرتاحة نفسياً لما أفعله لكنني أحاول إسكات ضميري، هل أعاود الصلاة أم لا؟ مع استمرار الزنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر وجريمة من أقبح الجرائم، وفاحشة من أعظم الفواحش، يقول الله تعالى:
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء / ٣٢، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) الفرقان.
ولذلك عاقب الله الزناة في الدنيا بعقوبات شديدة، وأوجب على ذلك الحد، فقال تعالى في بيان حد الزاني البكر: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/٢
أما المحصن ـ وهو الذي قد سبق له الزواج ـ فجعل حده القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) الحدود / ٣١٩٩.
ولشناعة هذا الفعل وبشاعته فقد تأذّى منه القردة، حتى إنهم أقاموا حد الرجم على قردة قد زنت كما ثبت في صحيح البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: (رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ) المناقب /٥٣٦٠.
فكيف يرضى المسلم المكَلَّف المحاسب بعد أن شرّفه الله بالإسلام أن ينزل إلى مستوى الحيوانات والبهائم التي كلّما ثار فيها سُعار الشهوة أطفأتها كيفما شاءت، إن هذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي.... قال: فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم اللهب ضوضوا، قال قلت لهما ما هؤلاء ... فقالا لي: وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني..) (٦٥٢٥) .
(والتنور: هو الكانون أو الفرن الذي يخبز فيه) .
ومعنى ضوضوا: أي ارتفع صوتهم ولغطهم.
فإذا مات الإنسان على مثل هذا الذنب فماذا يكون حاله!! بل ماذا يقول لربه إذا وقف للعرض عليه! أهكذا يكون شكر نعم الله عز وجل المتوالية التي لا تحصى، أهكذا يكون شكر نعمة الصحة والعافية! أغاب عنك أن الله يراكِ وأنت متلبِّسة بهذا الذنب العظيم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران/٥
ألم تعلمي أن هذه الجوارح التي عصيت بها خالقك ستشهد عليك يوم القيامة! ألم تسمعي قول الجبار جل وعلا: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) سورة فُصِّلت.
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح من هذا الذنب العظيم، والندم على ذلك أشد الندم، والإقلاع الفوري عنه، وعن كل وسيلة تكون سبباً إليه ومن ذلك:
١- السفور والتبرج بكشف الوجه أو الشعر أو شيء من البدن، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ... قال: وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه الإمام مسلم (اللباس والزينة/٣٩٧١) .
٢- والخلوة بمن كان أجنبياً عنك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري (٣٨٤٢)
٣- وإياك الاختلاط بمن لا يحل لك، فإن الزنى لم يحصل إلا نتيجة لذلك، وعليك أن تستجيبي لداعي نفسك اللوامة ولا تلتفتي إلى وسوسة الشيطان وتزيناته وتهوينه من هذه الجريمة، فلقد أقسم الشيطان بعزّة الله على إغواء بني آدم. قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين َ* إلا عبادك منهم المخلصين) سورة ص / ٨٢، فقد ظفر منك الشيطان بهذا. ثم إنه لم يقنع بوقوعك في بل إنه يسعى إلى خلودك في النار والعياذ بالله، وذلك بتزيَّن لك ترك الصلاة بهذه الحجة الواهية.
إنَّ ترك الصلاة كفر بالله في صحيح مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) الإيمان / ١١٦، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي الإيمان / ٢٥٤٥، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (٢١١٣) .
فعليك بالإكثار من الاستغفار، والتوبة والدعاء، والمحافظة على الصلوات والإكثار منها، واحرصي على الخشوع فيها لأن الله تعالى يقول: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت /٤٥، وقال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) سورة هود / ١١٤، وعليك أن لا تستثقلي التوبة أو تشعري بأن الله عز وجل لن يتوب عليك فالشيطان حريص على أن يزرع اليأس والقنوط في قلبك.
واعلمي أن من تاب تاب الله عليه وبدَّل سيئاته حسنات قال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٠) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) سورة الفرقان/٧١.
إن باب التوبة مفتوح، ولا أحد يحُول بينك وبين التوبة، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (الدعوات/٣٤٦٠) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢٨٠٢) .
والله يفرح بهذه التوبة فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) باب التوبة / ٤٩٣٢
وأخيراً:
عليك بعد التوبة بقطع طرق الفاحشة وذلك بالطريق الشرعي الذي أباحه الله عز وجل وهو الزواج، وعليك أن تعلمي أنه لا يجوز للمسلم والمسلمة الزواج ممن وقع في الزنى إلا إذا تاب إلى الله، فإن تاب وترك ذلك فإنه يجوز لك الزواج منه بعد التوبة، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم (١١١٩٥) و (٢٦٢٧) ، وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب