للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما المقصود بـ " محارم الله "؟

[السُّؤَالُ]

ـ[السؤال: ما المقصود بمحارم الله، وما هو انتهاك محارم الله الواردة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جَلِّهِم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) هل المقصود بانتهاك محارم الله الزنا، وهل انتهاك محارم الله يستلزم الحد عملا بقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) ؟ هل من ينتهك محارم الله ومات ولم يتب جزاؤه النار؟ هل الخلوة والوقوع بالفاحشة هي انتهاك لمحارم الله؟ هل الشخص الذي لا يغض البصر هو منتهك لمحارم الله؟ وهل المرأة غير المتحجبة والمبتذلة في لبسها والمتعطرة التي تفتن شباب المسلمين هي منتهكه لمحارم الله؟ هل انتهاك محارم الله المقصود به الخيانة الزوجية أخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد برئت منها ذمة الله ورسوله) وقوله أيضا: (أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله) ؟ هل من ينتهك محارم الله هو خائن لله وللرسول وللأمانة؟ هل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) المقصود به هم الأقارب فقط، أم أنه مصطلح عام يشمل المسلم والكافر؟ هل محارم الله هي اقتراف السيئات وعدم التناهي عنها، وهذا نجده في قول الله تعالى: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) ؟ هل محارم الله اتباع الشهوات وترك العبادات، وهذا نجده في قول الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

محارم الله: هي كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر، كالنظر والاختلاط والتبرج المحرم، ومثله الزنا والربا والرشوة والظلم والسرقة والغيبة والنميمة، ونقض ما أمر الله بالوفاء به، وقطع ما أمر الله به أن يوصل؛ فهو لفظ عام تدخل فيه المعاصي بجميع أنواعها. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد:٢٥.

وقد جاء استعمال لفظ " محارم الله " في أحاديث كثيرة، منها:

ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (٢٣٢٨) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

(مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)

ومنها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/١٨٢) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَفَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ! فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ) .

صححه الحاكم في "المستدرك" (١/١٤٤) على شرط مسلم، وكذا الذهبي في التلخيص، وحسنه محققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (٣٨٨٧) .

وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ!

فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ:

اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ) .

رواه أحمد (٢/٣١٠) والترمذي (٢٣٠٥) والطبراني في "الأوسط" (٧/١٢٥) وغيرهم من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة.

قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا أبو طارق، تفرد به جعفر بن سليمان " انتهى.

وقال الترمذي: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا، هكذا روي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله، ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.

وفيه علة أخرى هي جهالة أبي طارق السعدي، إذ لم يرد فيه توثيق ولا تجريح عن أحد من أهل العلم، فقال فيه الذهبي في "الميزان" (٤/٥٤٠) : " لا يعرف " انتهى.

ولبعض جمل هذا الحديث شواهد اقتضت تصحيح الحديث عند بعض أهل العلم، كالشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (برقم/٩٣٠) ، غير أن جملة الشاهد وهي (اتق المحارم تكن أعبد الناس) لم يرد ما يشهد لها، والله أعلم بالصواب.

يقول المناوي في "فيض القدير" (١/١٦١) :

" أي: احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك تكن أعبد الناس، أي: مِن أعبدهم، لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض، فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات، فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته، فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد، وقال الذهبي: هنا والله تسكب العبرات، فيلزم أن يكون بصيرا بكل واجب فيقوم به، وعارفا بكل محرم فيجتنبه " انتهى بتصرف يسير.

وقد جاء في الكتاب الكريم من التحذير والترهيب من الوقوع في محارم الله ما يغني ويكفي،

يقول الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/٢٢٩

ويقول عز وجل: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/١٤

على أننا ننبه أخانا الكريم على أن حديث (اتق المحارم تكن أعبد الناس) ليس له علاقة بالأقارب أو الأهل، أو المسلم والكافر؛ وإنما اختلط عليك المحارم المشار إليها في هذه الأحاديث وأمثالها، والتي يقصد بها: ما حرمه الله على عباده، والمحارم في باب النكاح، كالأم والأخت ونحو ذلك؛ وهذا لا علاقة له بما نحن فيه.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>