كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حفيدة لجد مات، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء: توفي جدي والد أبي، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة، فمرة نراه محروقا، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه، وهكذا، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله، وأن هذا اليتيم لا يعلم، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية، ويسكنون في المدن، والبيوت أصبحت مهجورة، والأراضي لم تعد تزرع، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا، فهذا جدنا، ونحن الذين دائما نحلم به، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة؛ فجدي في عذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة، وتفضي به إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن أعظم الظلم والتعدي: أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية، ومزيد تحذير من أكل أموالهم، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم.
فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية، فقال سبحانه: (وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء/١٤.
كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر.
يقول الله تعالى: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) النساء/٢.
ويقول عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/١٠.
وغصب الأرض من كبائر الذنوب، وعقابه شديد، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (٣١٩٨) ومسلم (١٦١٠) .
فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم.
وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله؟!
أختنا:
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم، أن غصب الأرض، وأكل أموال اليتامى ظلما، والتعدي في قسمة المواريث، كل ذل من كبائر الذنوب، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته (ومن توبته: رد الحقوق إلى أهلها) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس. رواه مسلم (٢٥٨١) .
وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر، ويعطيه حقه كاملا.
قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس -:
"وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له، فالاستحلال المبهم لا يكفي، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى. " إحياء علوم الدين " (٤ / ٤٧) .
وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا تملكون له إلا أمرين:
الأول: الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه.
الثاني: رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم.
ثانيا:
وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها، وقولهم: " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا: (إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله، فإن عذاب الله شديد، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم، نسأل الله العافية.
ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب