للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صديقه مبتدع أدخل في قلبه بغض بعض الصحابة فماذا يفعل؟

[السُّؤَالُ]

ـ[كان لي صديق من أحد الفرق الضالة وكان يحدثني عن بعض القصص التي حدثت بين الصحابة رضي الله عنهم وكان ينتقص بعض الصحابة من خلال القصص بشكل غير علني وكنت أستمع إليه مجاملة له وأنا في نفسي أعلم أنه كاذب ولكن مع مرور الأيام عندما أسمع أسماء بعض الصحابة أجد في نفسي عليهم حنقا لم أجده من قبل أن أستمع إلى هذا الضال سؤالي: هل من نصيحة لي لكي أعيد تعظيم الصحابة وعدم الشك فيهم في نفسي؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

ما ذكرته من وجْدك وحنقك على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو أثر من آثار صحبة هذا المبتدع، وهو دال على فقه السلف في تحذيرهم من مجالسة أهل البدع، وتشديدهم في ذلك.

كان أبو قلابة رحمه الله يقول: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم ".

وقال أبو إسحاق الهمداني: " من وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ".

ودخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا: يا أبا بكر نحدثك، قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: لا، لتقومن عني أو لأقومنَّ، فقام الرجلان فخرجا.

وقال الفضيل بن عياض: " لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة ".

وقال محمد بن النضر الحارثي: " من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة، وهو يعلم أنه صاحب بدعة، نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه ".

وقال عبد الرزاق الصنعاني الإمام: قال لي إبراهيم بن أبي يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيرا. قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم. قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا. قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وإن الدين ليس لمن غلب.

وانظر هذه الآثار في "الشريعة" للآجري، و"أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي.

قال الآجري رحمه الله في كتابه "الشريعة": " باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء: ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس ولا يصلى خلفه، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله، بل يذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك. فإن قال: فلم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله؟ قيل له: لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاما يفسد عليك قلبك ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت؛ إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجة عليه بحضرة سلطان أو ما أشبهه لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا. وهذا الذي ذكرته لك لقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.

وقال الذهبي رحمه الله: " أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة " انتهى من "سير أعلام النبلاء (٧/٢٦١) .

فما حصل لك أيها الأخ الكريم هو بسبب تفريطك، وتساهلك في الجلوس مع هذا المبتدع، حتى أوغر صدرك على أفضل الخلق بعد الأنبياء، وهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، وقد توفي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فلا يطعن فيهم إلا شقي محروم.

وقد روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٣٤٠)

وأما سبيل الإصلاح لقلبك، فبالتوبة إلى الله تعالى، وبالإقبال على القرآن والسنة وكتب السيرة، وسترى فيها ثناء الله تعالى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعلم كم ضحى هؤلاء بأنفسهم وأموالهم حتى وصل إلينا هذا الدين العظيم.

ولعلك ترجع إلى كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم أو من غيره من كتب السنة، ليزداد حبك وتعظيمك لصحابة رسولك صلى الله عليه وسلم.

ومن الكتب المختصرة الجامعة التي نوصيك بقراءتها: كتاب الصحيح المسند من فضائل الصحابة للشيخ مصطفى العدوي، وكتاب: صور من حياة الصحابة للأستاذ عبد الرحمن رأفت الباشا.

ولتعلم أن عامة ما يقوله أهل البدع عن الصحابة كذب وافتراء، ناتج عن تعصب مقيت وحقد أعمى ونفوس مريضة، صورت لهم أن الصحابة أناس يتقاتلون على الدنيا، ويلهثون وراءها، ويكيدون المكائد، ويدبرون المؤامرات، وكما قيل قديما: كل ينظر بعين طبعه، فنفوسهم الحاقدة اللاهثة خلف الدنيا، صورت لهم أن الصحابة مثلهم، والواقع أن الصحابة طراز فريد، وجيل متميز، وصفوة مختارة، لأنهم نتاج مدرسة عظيمة، وتربية مستقيمة، وصحبة مباركة، تلقوا فيها العلم والخلق على يد أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم.

واعلم أن الطعن في هؤلاء الصحابة، طعن في نبيهم الذي اختارهم، وقرّبهم، وصاهرهم، بل طعن في الله تعالى الذي رضي أن يكون هؤلاء جلساءَ نبيه، وحملةَ دينه، وكتبةَ وحيه.

نسأ الله تعالى أن يشرح صدرك، ويطهر قلبك، ويملأه محبة لدينه وكتابه، ونبيه وأصحابه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>