للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دولته تمنع التعدد ويريد الزواج بامرأة ثانية بإذن أخيها دون والدها!

[السُّؤَالُ]

ـ[أنتمي لدولة يمنع فيها الزواج لأكثر من واحدة , وبالتالي يمنع التعامل بالزواج العرفي، ولا يمكن توثيقه يوماً في سجلات الحالة المدنية , مع أن عقل الولي غير مهيأ اجتماعيّاً لمثل هذا الزواج لأحد بناته , فما هو الحل لمتزوج تعلق بأخرى أرادته زوجاً لها وارتضت طريقة الزواج المذكور؟ ألاحظ أن أحد إخوتها (الأصغر) والبالغ ٢٥ سنة موافق، ولكن يطلب أن يبقى هذا سرّاً؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

لا ندري كيف تبلغ الجرأة ببعض من ولاهم الله أمر المسلمين أن يحاد الله ودينه، فلا يكتفي بترك الحكم بما أنزل الله حتى يضيف إليه مضادة الشريعة ومحاربة أحكامها والسخرية بها، ومن ذلك: تضييقهم على الحلال ومنعهم منه، ونشرهم للحرام ورضاهم عنه، ولو كانت معصية الإنسان تخصه نفسه لهان الخطب عليه بالنسبة لما تكون هذه المعاصي بقوة القانون، فيثاب فاعلها، ويعاقب تاركها! والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، ولو فكَّر هؤلاء للحظات يسيرة أن مآلهم إلى حفرة ضيقة لن يكون معهم خدمهم وحشمهم ووزراؤهم وأموالهم وتيجانهم وطعامهم وشرابهم: لعلموا هول الأمر، وأنه جد ليس بالهزل، ولو فكَّر هؤلاء في لقاء ربهم لأمكن أن يعيدوا النظر بحياتهم كلها، ولو علم الله فيهم خيراً لهداهم.

ثانياً:

اعلم أخي السائل: أنه لا يجوز لك التزوج من غير ولي للمرأة، واعلم أنه بوجود والدها ليس لأخيها أن يزوجها، وتُرفع ولاية الأب إن ثبت منعه لابنته من الزواج بكل أحد، ولغير سبب شرعي أو معقول يتوافق مع الشرع، ومنعه من تزويجها في مثل الحال التي ذكرتَ أمرٌ حسنٌ منه، وموافق للشرع والعقل، فكيف تريده أن يزوج ابنته من غير وثيقة معترف بها في دولته؟! وهل تعلم ماذا يترتب على ذلك لو حصل من مفاسد؟ .

إن توثيق عقود الزواج – بل وغيره من المعاملات – ليس بدعة في الدين، بل هو من المصالح المرسلة التي تتوافق مع الشرع.

والمصلحة المرسلة: هي المصلحة التي أرسلها الشارع، أي: أطلقها، فلم يعتبرها، ولم يلغها، وحكم هذه المصالح يرجع إلى القواعد الشرعية العامة، فما كان داخلاً في قواعد المصلحة المعتبرة أُلحق بها، وما كان داخلاً في قواعد المصلحة الملغاة أُلحق بها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في بيان تعريف " المصالح المرسلة " -:

وهو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة، وليس في الشرع ما ينفيه.

" مجموع الفتاوى " (١١ / ٣٤٢، ٣٤٣) .

وفي توثيق الزواج مصالح متعددة، ومنها:

١. حفظ حق الزوجة، من حيث تثبيت مهرها المؤخر، وذِكر شروطها فيه، وأخذ نصيبها من ميراث زوجها وأولادها.

٢. إثبات نسب أولادها لها ولأبيهم.

٣. منع عقد زواج لها، وهي على ذمة زوج غيره.

٤. حفظ حقوق الزوج، من حيث ذِكر ما استلمته الزوجة من مهرها.

٥. منع الزوج من التزوج بأكثر من أربع نساء.

وهكذا في مصالح كثيرة متعددة، لا يمكن للشريعة أن تمنع من قيامه وإنشائه، بل وتشترطه في الزواج، حفظاً للحقوق، ومنعاً للمفاسد.

وفي " الموسوعة الفقهية " (٦ / ١٧٠) :

شرع الله سبحانه وتعالى الكتابة والإشهاد صيانةً للحقوق، وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/٢٨٢، (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) ، (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ) ، وقد أوجب الشّرع توثيق بعض الالتزامات لخطره، كالنّكاح.

انتهى.

وسئل علماء اللجنة الدائمة:

هل يتعين للزوج أن يقوم بعقده شخص يتولى تلقين ولي الزوجة الإيجاب، وتلقين الزوج القبول، أم يصح الزواج دون ذلك الشخص إذا كان النكاح مستكملا شروطه وأركانه؟ .

فأجابوا:

إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال من الإيجاب والقبول منك ومن أبيها، مع حضور الشهود ورضا البنت المسماة في العقد: فالنكاح صحيح، وإن لم يتول عقد النكاح بينكما شخص آخر، فإن ذلك ليس بشرط في صحة النكاح ولا كماله، وإنما ألزمت الحكومة رعيتها بإجراء العقد على يد من أذنت له في ذلك وكتابته قضاء على الفوضى، ومنعا للتلاعب، ومحافظة على النسب والأعراض والحقوق، ودفعا للتناكر عند النزاع، وطاعة ولي الأمر في ذلك وأمثاله من المعروف واجبة، لما في ذلك من إعانته على ضبط شؤون رعيته وتحقيق المصلحة لهم.

الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٨ / ١٠٥، ١٠٦) .

وعليه: فمنع والد المرأة إياك من الزواج بها لمنع الدولة من التعدد: أمرٌ مقبول منه، وليس في فعله مخالفة للشرع، ولا يحل لك الزواج بها من غير إذن والدها، وولاية أخيها باطلة مع وجود والدها، والعقد عليها باطل فاسد لو حصل.

ثالثاً:

أما " الزواج العرفي " فله صورتان:

الصورة الأولى: تزوج المرأة في السرّ، ودون موافقة وليها، وهذا هو المتبادر من استعمال الناس لهذه التسمية، وإذا كان كذلك: فهو عقد محرّم ولا يصح أيضاً؛ لن موافقة الولي من شروط صحة عقد النكاح.

والصورة الثانية: التزوج بموافقة الولي، ولكن دون إشهار أو إعلان، أو توثيق في المحاكم، وهذا وإن كان زواجاً صحيحاً من حيث الشروط والأركان، لكن يترتب عليه مفاسد كثيرة، من وقف عليها جزم بالمنع منه، وبخاصة مسألة " التوثيق ".

وفي حالتك التي سألت عنها ليس والد المرأة موافقاً على الزواج، فصار المنع من جهتين:

أ. من جهة عدم موافقة الولي.

ب. ومن جهة عدم توثيقه.

وفي جواب السؤال: (٢١٢٧) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه، وشروط الولي. وفي جواب السؤال: (٧٩٨٩) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح.

وفي جوابي السؤالين: (٤٥٥١٣) (٤٥٦٦٣) تجد بيان حكم الزواج العرفي.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>