للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إدعاء ضعف الثقة بالسنة

[السُّؤَالُ]

ـ[بعض الناس يرفضون السنة بحجة أن هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة كثيرة وأن الوضع وكثرة الوضاعين للحديث أضعف الثقة بالسنة الشريفة. فما رأيكم بهذه الحجة؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذه مقولة عدد من الزنادقة والمنحرفين في القديم والحديث وممن قال بهذا في العصر الحديث صالح أبو بكر في كتاب الأضواء القرآنية وحسين أحمد أمين في كتاب دليل المسلم الحزين وأحمد أمين في كتاب فجر الإسلام وعبد الله النعيم في كتاب نحو تطوير التشريع الإسلامي، وسعيد العشماوي في كتاب حقيقة الحجاب، وصالح الورداني في كتاب الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة، وعبد الجواد ياسين في كتاب السلطة في الإسلام، ونصر أبو زيد في كتاب الإمام الشافعي، وزكريا عباس داود في كتاب تأملات في الحديث، وحولة نهر في كتاب دراسات محمدية، وموريس بوكاي في كتاب دراسة الكتب المقدسة، ومرتضى العسكر في كتاب خمسون ومائة صحابي مختلق، والدكتور مصطفى محمود في مقالاته عن الشفاعة.

ونقول صحيح أنه كان هناك وضاعون وكذابون لفّقوا أقوالاً، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة التي تخيلها أصحاب هذه الشبهة، وأثاروا بها الوساوس في النفوس، وقد جهلوا الحقائق التي سادت الحياة الإسلامية فيما يتعلق بالسنة النبوية، فقد كان إلى جانب ذلك عدد وفير من الرواة الثقات المتقنين العدول، وعدد وفير من العلماء الذين أحاطوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسياج قوي يعسر على الأفاكين اختراقه، واستطاع هؤلاء المحدثون بسعة اطلاعهم، ونفاذ بصيرتهم أن يعرفوا الوضاعين، وأن يقفوا على نواياهم ودافعهم، وأن يضعوا أيديهم على كل ما نُسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الوضع والكذب فهؤلاء الوضاعون لم يُترك لهم الحبل على الغارب يعبثون في الحديث النبوي كما يشاؤون، ولم يترك لهم المجال لأن يندسوا بين رواة الأحاديث النبوية الثقات العدول دون أن يُعرفوا.

وإلا فمن إذن الذي كشف كذب الكفرة والزنادقة وغلاة المبتدعين؟.

ومَن الذي عرّف بالموضوع، وبأسبابه، وبأصنافه، وبعلاماته، وصنف فيه المصنقات المتعدة؟.

إنهم حراس الدين خلفاء الله وجنوده في أرضه، إنهم الجهابذة الذين قال فيهم هارون الرشيد لما أخذ زنديقاً فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لَم تضرب عنقي؟ قال: لأريح العباد منك، فقال: يا أمير المؤمنين أين أنت من ألف حديث - وفي رواية أربعة آلاف حديث - وضعتها فيكم، أحرم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام، ما قال النبي منها حرفاً؟ فقال له هارون الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك؟ فإنهما ينخلانها نخلاً فيخرجانها حرفاً حرفاً. تذكرة الحفاظ للذهبي ١/٢٧٣، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٤

يقول الأستاذ محمد أسد: (فوجود الأحاديث الموضوعة إذن لا يمكن أن يكون دليلاً على ضعف نظام الحديث في مجموعه، لأن تلك الأحاديث الموضوعة لم تَخْفَ قط على المحدثين كما يزعم بعض النقاد الأوروبيين عن سذاجة، وتابعهم على ذلك بعض أدعياء من أبناء أمتنا الإسلامية) . الإسلام على مفترق الطريق ص ٩٦

ونختم هذه الشبهة بما ذكره الإمام ابن القيم الجوزية: قال الإمام أبو المظفر السمعاني: (فإن قالوا: قد كثرت الآثار في أيدي الناس واختلطت عليهم، قلنا: ما اختلطت إلا على الجاهلين بها، فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها ويأخذون خيارها، ولئن دخل في أغمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث، ورواته العلماء حتى إنهم عدّوا أغاليط من غلط في الإسناد والمتون، بل تراهم يعدون على كل واحد منهم كم في حديث غلط، وفي كل حرف حرّف، وماذا صحّف، فإن لم تَرُج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون، فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة، وتوليهم الأحاديث التي يرويها الناس حتى خفيت على أهلها؟ وهو قول بعض الملاحدة، وما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتدع كذاب يريد أن يهجّن بهذه الدعوة الكاذبة صحاح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وآثاره الصادقة، فيغالط جهال الناس بهذه الدعوى، وما احتج مبتدع في رد آثار رسول الله صلى الله وسلم بحجة أوهن ولا أشد استحالة من هذه الحجة، فصاحب هذه الدعوى يستحق أن يُسف في فِيهِ، ويُنفى من بلد الإسلام. مختصر الصواعق المرسلة ٢/٥٦١

[الْمَصْدَرُ]

مجلة البيان عدد١٥٣ ص٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>