هل يجوز شراء المحل بالإكراه بعد بيعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي عنده محل تصليح أحذية مند ١٢ سنة في طرابلس، وقد اصطحب معه عاملا مصريا من منطقة الخمس منذ ذلك الوقت , خلال العمل اشترط على العامل، إن طال الزمن أو قصر وتركت العمل، ألا تعمل في هذه المنطقة مع أحد غيري، ولا تقوم بفتح محل لحسابك الخاص؛ بمعنى أنه لا بأس من العمل مع احد من أفراد عائلتي. وبعد فترة سافر العامل المصري وعاد لليبيا، ووجد المحل فيه عامل آخر، وأنا فتحت محلا لنفسي، وليشتغل فيه هذا العامل بحكم العشرة الطويلة التي بيننا، وعندما جهزت المحل ظل المحل مغلقا ٢٠ يوما، لأن هذا العامل أخلف وعده معي، وبدأ يشتغل في مكان أخر خارج المنطقة، ومرة أخرى بعث هو شخص ليتوسط بيننا ويقول إنه سيأتي، وأخلف بوعده مرة أخرى, ومرت ثلاثة سنين واضطررت لبيع المحل فبعته لذلك العامل، وهذا المحل في نفس المنطقة التي فيها محل أخي. وبعدها جاءني أخي وقال لي كيف تملك المحل لهذا الشخص وقد أخلف بوعوده معنا، وأخي عازم على أن يخرج العامل من المحل بأن نشتري المحل أنا أو هو. فما الحكم في هذا الشراء، هل هو جائز أم لا؟ وإذا كان شراء المحل بالإكراه من العامل فهل في ذلك سبب لقطع رزق العامل؟ أفيدونا رعاكم الله وأرضاكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اشتراط أخيك على العامل: إن طال الزمن أو قصر وترك العمل، ألا يعمل في هذه المنطقة مع أحد غيره، ولا يقوم بفتح محل لحسابه الخاص شرط فاسد، لا يجوز له اشتراطه عليه، كما لا يجوز للعامل أن يوافق عليه، وهو يعلم أنه لن يفي به في العادة، ولو قدر أنه اضطر لقبول هذا الشرط، في وقت ما، فلا يلزمه الوفاء به.
روى البخاري (٢١٦٨) ومسلم (١٥٠٤) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أوَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ؟
فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا.
فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ.
فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
(خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.) .
فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
(أَمَّا بَعْدُ؛ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ؛ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) .
وقد ترجم الإمام النسائي رحمه الله في سننه على هذا الحديث، فقال: " الْبَيْعُ يَكُونُ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ". انظر: سنن النسائي (٧/٣٠٠) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً، وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً "، وذكر حديث عائشة، ثم قال:
" وَهَذَا الْكَلَامُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ". انتهى.
"إقامة الدليل على إبطال التحليل" (٣/٣٥٤) .
وليس من شك في أن هذا الشرط يخالف كتاب الله؛ فليس من حق صاحب هذا المحل أن يمنع هذا العامل من العمل كيف شاء، في غير وقت دوامه المتفق عليه بينهما؛ فضلا عن أن يمنعه من العمل في المنطقة بعد ترك هذا المحل، وانتهاء علاقة الإجارة بينهما؛ وهذا أمعن في ظلم هذا العامل والعدوان على حقه.
ثانيا:
حيث إن بيع المحل للعامل قد حصل عن تراض منكما، فلا يجوز إخراجه منه، أو إكراهه على ذلك؛ لأنه قد ملك العين بالشراء ملكا صحيحا، فلا يجوز نزع ملكيته بالإكراه.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء/٢٩.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْمَعُوا مِنِّى تَعِيشُوا؛ أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا؛ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَاّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) .
رواه الإمام أحمد (١٩٧٧٤) وصححه الألباني.
ثالثا:
ليس من شك في أن رزق كل إنسان مقدر من قبل خلقه، وليس من شك أيضا في أن هذا الرزق المقدر قدرت له أسبابه، وعملكم هذا سعي في التضييق على هذا العامل، وظلم له بإخراجه من مكان عمله بغير حق، فلم يكن من حقكم أن تشترطوا عليه ألا يعمل مع غيركم، وليس من حقكم الآن أن تكرهوه على بيع المحل الذي يعمل فيه، إذا لم يعمل معكم، أو لم تستطيعوا أنتم أن تديروا محلكم، وهذا رزقه الذي كتبه الله له، وهذا رزقكم الذي كتبه الله لكم، وكل شيء عنده بمقدار؛ فلا ينبغي لكم أن تحسدوه على توفيق الله له في عمله، ولا أن تسعوا في التضييق عليه وظلمه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب