للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يقرن بين حمد الله وشكره وشكر الوالدين؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز لي القول: الحمد والشكر لله رب العالمين، والشكر لوالدي، عملا بقوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك الي المصير)

[الْجَوَابُ]

الحمد للَّه

بر الوالدين من أعظم القربات، وأولى الطاعات، وهو حق معظم لهما في شريعة الإسلام، حتى قرن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع طاعته بطاعتهما، وحقَّه بحقِّهما.

يقول الله سبحانه وتعالى:

(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان/١٤

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (٥/١٧١) : " قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك} لقمان: ١٤.

... عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين " [قال الألباني: حسن لغيره] .

والتصريح بشكر الوالدين والاعتراف بفضلهما وقدرهما لا شك أنه داخل في معنى الآية، ولكن لا ينبغي فهم الآية على ذلك فقط، فيظن أن من قال "الشكر لوالدي" قد أدى ما عليه، بل حقيقة الشكر أعظم وأعلى من ذلك، بل المراد بالشكر ما هو أعم من ذلك؛ أن يقوم العبد بحق ربه عليه بقلبه ولسانه وجوارحه، وهكذا يقوم بحق والديه عليه من ذلك.

قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (٢/٢٤٤-٢٤٦) :

" والشكر مبني على خمس قواعد:

خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره.

فهذه الخمس: هي أساس الشكر وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة: اختل من قواعد الشكر قاعدة، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور.

والشكر يكون: بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا " انتهى.

وفي تفسير هذه الآية، يقول الشيخ السعدي رحمه الله: " ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ} أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه {بِوَالِدَيْهِ} وقلنا له: {اشْكُرْ لِي} بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. {وَلِوَالِدَيْكَ} بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] (٥) وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.

فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ " انتهى [التفسير ٦٤٨] .

فلا حرج على من قرن شكر الله تعالى بشكر الوالدين، وجمع بينهما في مقام واحد، لكن لا ينبغي أن يلتزم ذلك دائما كما يلتزم الذكر الوارد بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي موقعنا العديد من الإجابات التي تبين أمر بر الوالدين، انظر:

(١٣٧٨٣) ، (٢٢٧٨٢) ، (٣٥٥٣٣)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>