للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجوز أن تشتري أرضًا كي تدفن فيها حين تموت؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز أن يشتري الإنسان مساحة أرض، حتى إذا مات يدفن فيها؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الحكم في ذلك تابع للمقصد الدافع لشراء الأرض وتخصيصها للدفن فيها:

فإن كانت إنما تريد تهيئة مدفن كريم لها، لما تراه من امتهان المقبرة التي في بلدتها، أو لما تراه من دفن جماعي في مكان واحد – كما يحصل في بعض الدول الإسلامية -، أو كانت تريد وقف الأرض للدفن فيها، لها ولغيرها من الناس، ونحو ذلك من الأعذار والمقاصد الشرعية، فحينئذ لا حرج عليها في شراء قطعة الأرض هذه، والوصية بالدفن فيها، فإن مقصدها معتبر شرعا، والقاعدة الفقهية تقول: (الأمور بمقاصدها) .

قال الإمام أحمد رحمه الله: " لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه، فعل ذلك عثمان بن عفان، وعائشة، وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم ".

[المغني ٣/٤٤٣] ، وانظر: أحكام المقابر في الشريعة، د عبد الله السحيباني (٢٣-٢٨) .

فإن لم يكن لها أي مقصد من الأمور السابقة، وإنما أرادت أن تتميز بقبرها، وتختص بمكانها دون الناس، فهذا مقصد غير معتبر شرعا، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على شرعية مثل هذا الفعل، بل جاء في مقاصد الشريعة وكلام أهل العلم ما يدل على كراهته، ومن ذلك:

١- أن الفقهاء نصوا على استحباب الدفن في المقابر العامة، كي يصيب الميت من دعاء زوارها من المؤمنين، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يدفن من مات من أصحابه في مقبرة البقيع.

جاء في الموسوعة الفقهية (٢١/٩) :

" المقبرة أفضل مكان للدفن، وذلك للاتباع، ولنيل دعاء الطارقين، وفي أفضل مقبرة بالبلد أولى، ويكره الدفن في الدار ولو كان الميت صغيرا، وقال ابن عابدين: وكذلك الدفن في مدفن خاص كما يفعله من يبني مدرسة ونحوها، ويبني له بقربه مدفنا " انتهى.

انظر "رد المحتار" (٢/٢٣٥) ، "المجموع" (٥/٢٤٥) ، "مغني المحتاج" (٢/٥٢)

٢- ثم إن الدفن في أرض يملكها المتوفى يضر الورثة، حيث سيمنعهم ذلك من التصرف فيها، وقد كان له في مقابر المسلمين كفاية.

جاء في كتاب "الفروع" لابن مفلح الحنبلي (٢/٢٧٨) :

" ولو وصى بدفنه في ملكه دُفِنَ مع المسلمين؛ لأنه يضر الورثة " انتهى.

٣- كما أن الوصية بالدفن في أرض خاصة قد تكون ذريعة فيما يستقبل من الزمان إلى العبث بهذا القبر، فإن المقبرة العامة متميزة عند جميع الناس، لا يمكن أن يعتدي عليها أحد بالبناء عليها أو الحفر ونحو ذلك، فسيمنعه الناس كلهم من إيذاء أمواتهم، أما الأرض الخاصة فإنها عرضة للتعدي، وعرضة لأطماع الناس لأخذ الأرض ونبش القبر وغير ذلك.

٤- الدفن في الأرض الخاصة قد يؤدي إلى تعظيم القبر وتقديسه، فيظن الناس له خصوصية عن دون القبور، أو أنه قبر أحد الأولياء ونحو ذلك، فيرتكبون عنده أنواع الشرك أو التبرك المحرم، وذلك بسبب التميز عن الناس بالمدفن.

٥- وأخيرا يخشى أن يكون الباعث على الوصية بالمدفن الخاص هو الكبر والأنفة عن مساواة الناس في مدافنهم، كما يظهر في قبور بعض الملوك والأمراء، حيث يجعلون لأنفسهم مدافن خاصة، ومعلوم أن الكبر من أعظم الذنوب، والعادة أن الموت يكسر كل متكبر ومتجبر، فلا ينبغي للمسلم أن يتشبه بالمتكبرين وعاداتهم.

يتبين مما سبق أن شراء أرض والوصية بالدفن فيها لغير مقصد شرعي خلاف الأولى، وأن الأولى هو الدفن مع جماعة المسلمين، والتعرض لبركة دعاء الصالحين من المسلمين.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (١/٥٥٩) :

" لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت أن لا يدفن إلا في مكان معين، بل يدفن مع المسلمين، إذ إن الأرض كلها سواء، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها، لأنه ليس فيها مقصود شرعي " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>