بطلان الاستدلال بلعب الحبشة بالحراب على الرقص الصوفي!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال حول الرقص في الإسلام، فالصوفية يستندون إلى حديث من مسند الإمام أحمد بن حنبل من المجلد الثالث الصفحة رقم ١٥٢، ويدعي الصوفية أنه كان من عادة الأحباش أنهم كانوا يرقصون حول النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يمكن أن توضح لي الحديث الذي ذكرتُ لكَ موضعه، وأسأل: لماذا لا تجوز طريقة تعبد الصوفية (وهي الرقص عند ذكر الأوراد) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أخي السائل أن " الصوفية " من الفرق التي قد انحرفت عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وللوقوف على شيء من ذلك: انظر جواب السؤال رقم: (٤٩٨٣) .
وأما الحديث الذي أشار إليه السائل: فلا يدل على جواز الرقص الصوفي، بل هو دليل جواز اللعب بالسلاح، والتدرب على الحرب، والمبارزة؛ لغاية الجهاد.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: "مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ " فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: (دَعْهُمَا) فَلَمَّا غَفَلَ، غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا قَالَ (تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ) فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ (دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ) حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: (حَسْبُكِ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (فَاذْهَبِي) رواه البخاري (٩٠٧) ومسلم (٨٢٩) .
وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذا الحديث في صحيحه بقوله: "باب الحراب والدَّرَق يوم العيد".
وقال بدر الدين العيني رحمه الله:
والحِراب: جمع حَربة.
والدَّرَق: جمع درقة، وهي الترس الذي يتخذ من الجلود.
"عمدة القاري" (٦/٢٦٧) .
وقال النووي رحمه الله:
فيه جواز اللعب بالسلاح، ونحوه من آلات الحرب، في المسجد، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد.
"شرح مسلم" (٦/٢٧١) .
وقال ابن حجر رحمه الله:
واستُدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب، للتدريب على الحرب، والتنشيط عليه.
"فتح الباري" (٢/٤٤٥) .
فهذا هو لفظ الحديث، وهذا هو كلام العلماء عليه، وبه يتبين عدم صحة استدلال من استدلَّ به على الرقص الصوفي في حلقاتهم البدعية، فهؤلاء الصحابة (الأحباش) لم يكونوا أصلاً حول النبي صلى الله عليه وسلم – كما جاء في السؤال -، ولم يكونوا يذكرون الله، حتى يكون دليلاً لأهل البدع من أصحاب الرقص، بل كانوا يلعبون بآلات الحرب والجهاد.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندنا في مناطقنا هناك في الجنوب في الأعراس يحصل رقص للرجال على الطبول بأسلحتهم، فهل هذا جائز؟ .
فأجاب:
"اعلم أن الأصل في المعازف أنها حرام، ومنها الطبول، ولا يحل منها إلا ما ورد الشرع به، والذي ورد به الشرع هو "الدف"، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرتاده إلا النساء، يضربن بالدف، والدف هو عبارة عن شيء مدور كالصحن، ويكون أحد جانبيه مستوراً بالجلد الذي يكون له الصوت، أي: أنه مفتوح من جانب، ومختوم بالجلد من جانب، هذا هو الذي وردت به السنَّة.
أما الرقص للرجال: فإنه لا يجوز؛ لأن الرقص من عادات النساء، وليس من عادات الرجال.
وأما اللعب بالسلاح بالبنادق، والسيوف، وما أشبه ذلك - إذا لم يكن فيه طبول -: فهذا لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مكَّن الحبشة أن يلعبوا في وسط مسجده صلى الله عليه وسلم برماحهم، لكن بدون رقص" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (٣٩ / السؤال رقم ٥) .
وقد يصاحب هذا الرقص الصوفي محرمات أخرى كالغناء، وبعض المعازف، كالطبل , واختلاط الرجال بالنساء، وهذا يزيد في الإثم، ويُعظم المعصية.
ثانياً:
الرقص في حلقات الذكر هو من الأمور المحدثة، المبتدعة، التي لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وإذا كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنكر على من وجدهم جلوساً في المسجد حِلَقاً، ومعهم حصى يعدون عليه التسبيح، وفي كل حلقة رجل، يقول: سبحوا مائة، فيسبحون. احمدوا مائة فيحمدون ... إلخ.
وقد ذكرنا هذا الأثر بطوله في جواب السؤال رقم (١١٩٣٨) فماذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه لمن وجدهم يرقصون ويطبلون ويغنون، ويزعمون أنهم يذكرون الله!
ويجب أن يُعلم أن كل عبادة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أرشدنا إليها، ولم يفعلها أصحابه رضي الله عنهم، لا يجوز لأحد أن يفعلها، لأنها لو كانت خيراً لسبقونا إليه.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"والأصل في باب العبادات: المنع، حتى يرد الدليل عليها شرعاً، فلا يقال: إن هذه العبادة مشروعة من أصلها، أو من جهة عددها، أو هيئتها، إلا بدليل شرعي، فمَن ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله: فما صدر منه: مردود عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) ، وفي رواية: (مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (٢/٤٧٣) .
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
فكل مَن أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه: فهو ضلالة، والدين منه بريء.
"جامع العلوم والحكم" (٢/١٢٨) .
وقال ابن حجر رحمه الله:
والمراد بقوله: (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالةٌ) ما أُحدث ولا دليل له من الشرع، بطريق خاص، ولا عام.
"فتح الباري" (١٣/٢٥٤) .
وعلى هذا؛ فهذا الرقص الصوفي المصاحب للذِّكر: لا يدل عليه دليل من الكتاب، أو السنَّة، ولا عمل الصحابة، بل هو من البدع المحدثة التي أنكرها العلماء والأئمة، فليس هناك أحد من الأئمة الأربعة رحمهم الله (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) يجيز مثل هذا الرقص، ولا يجيز لأحد أن يحضر تلك الحلقات، بل أصله مأخوذ من اليهودية.
فقد سئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله:
ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ واعلم - حرس الله مدته - أنه اجتمع جماعة من رجال، فيكثرون من ذِكر الله تعالى، وذِكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم – الجِلد -، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيّاً عليه، ويحضرون شيئا يأكلونه، هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب:
"يرحمك الله، مذهب الصوفية بطالة، وجهالة، وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنَّة رسول، وأما الرقص والتواجد: فأول من أحدثه أصحاب " السامري "، لمَّا اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار، قاموا يرقصون حواليه، ويتواجدون؛ فهو دين الكفار، وعُبَّاد العجل؛ وأما القضيب: فأول من اتخذه الزنادقة؛ ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى؛ وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان، ونوابه: أن يمنعهم عن الحضور في المساجد، وغيرها؛ ولا يحل لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم؛ هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة المسلمين، وبالله التوفيق" انتهى.
نقله عنه الإمام القرطبي في "تفسيره" (١١/٢٣٧، ٢٣٨) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لم يُعرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه خصص أياماً، وليالي من الأسبوع، يجتمع فيها هو وأصحابه على ذِكر الله تعالى جماعةً باسمٍ مفردٍ من أسمائه الحسنى، قياماً، أو قعوداً، في حلقات، أو صفوفاً، يترنحون فيها ترنح السكارى، ويتمايلون فيها تمايل الراقصين طرباً لتوقيع الأناشيد، ونغمات المغنين، ودفات الطبول، والدفوف، وأصوات المزامير، وبهذا يُعلم أن ما يفعله الصوفية اليوم: بدعة محدثة، وضلالة ممقوتة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢ / ٢٨١) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب