قول العامة: ما أحد صلى إلا نال الغفران
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي دوما تستخدم مقولة: ما أحد مصلي إلا طال الغفران، وأنا أعتقد أن هذا من أقوال النصارى، أو الكفار، وأنه لا يجوز استخدام هذا القول بحكم أن الصلاة واجبه على العبد، وليس لطلب مقابل. فما حكم استخدام هذه الأقوال أو نحوها، مما يتداوله الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يظهر لنا مانع من إطلاق هذه العبارة، فهي حث على الصلاة وإخبار بأن فاعلها ينال الغفران، ولا يتعارض هذا مع كونها واجبة، وأن العبد يفعلها امتثالا لأمر ربه، فهي واجبة وركن عظيم من أركان الإسلام، وهي سبب لغفران الذنوب، وتكفير السيئات، ورفع الدرجات، وقد جاءت النصوص بجميع ذلك.
روى البخاري (٥٢٨) ومسلم (٦٦٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا.
وروى مسلم (٦٦٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ
اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً , وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) .
فقول والدتك: ما أحد مصلي إلا طال الغفران، لا يخرج عن هذا، لكن هذا الوعد مشروط بالقبول، فمن صلى صلاة مقبولة كانت سببا لغفران ذنوبه؛ ولذلك لا يجوز تعيين شخص صلى الصلوات الخمس، مثلا، والقطع بأنه قد نال مغفرة ذنبه من الله تعالى؛ فإن القبول من الغيب الذي لا يطلع عليه أحد من البشر، وإنما الشأن في مثل ذلك، أن نقول ما يقول أهل السنة: " ونرجو لمحسنهم، ونخاف على مسيئهم "؛ فمن حافظ على الصلوات الخمس، وصلى الجمعة بعد الجمعة، فهو على رجاء أن يتقبل الله منه عمله ذلك، وأن يكافئه عليه مغفرة لذنبه، كما وعد سبحانه.
ولا يضر استعمال النصارى أو غيرهم لمثل هذا، إن كانوا يقولون ذلك فعلا ويعتقدونه؛ فإن أتباع الملل المؤمنين بالمعاد يعتقدون أن عباداتهم لربهم سبب للغفران، وهذا حق لو كانوا يعبدون الإله الحق، ويتعبدون له بما شرع، لا بالبدع والمحدثات.
ومن تعبد لله تعالى مريدا تكفير سيئاته ورفع درجاته، لا يعتبر طالبا لمقابل ممنوع، فهذا مما أثنى الله به على عباده، أنهم يعبدونه، ويرجون رحمته ويخافون عذابه.
قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الإسراء/٥٧
وقال سبحانه: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/٨٩، ٩٠
قال سفيان الثوري رحمه الله: " (رَغَبًا) فيما عندنا، (وَرَهَبًا) مما عندنا " انتهى من تفسير ابن كثير (٥/٣٧٠) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب