دعت ولم يُستجب لها فقالت: لا وجود لله!
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت من الله قبل عدة سنوات أن يحقق لي شيئاً ما، لم يتحقق طلبي فغضبت وقلت إن الله غير موجود، ندمت الآن لأني قلت هذا لأنني أعلم أن ما قلته يعتبر شركاً، فهل يمكن أن أتشهد مرة أخرى وأتوب وأصبح مسلمة من جديد؟ هل يعتبر هذا شركاً؟ لأنني قلت هذا عندما كنت في غضب شديد، فهل يعتبر هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما قالته السائلة هو الكفر بعينه، وكان الواجب عليها ضبط النفس وكبت القول والفعل عند الغضب، وها هو قد أدى بها إلى الوقوع في الكفر.
لذا فإننا نرى أن تشهد الشهادتين وتنوي الدخول في الإسلام، وهذا إذا كانت في وعيها وعقلها عند قول تلك الكلمة المنكرة، والغضب ليس بعذرٍ إلا إن كان قد أغلق عليها عقلها فلم تعد تدري ما تقول.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم قد يتكلم بالكلمة وتودي به إلى جهنم وتكون بسبب سخط الله.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ". رواه البخاري (٦١١٣) .
ولفظ مسلم (٢٩٨٨) : " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ".
فإذا دخلتِ في الإسلام من جديد بالشهادتين، وحصل منكِ ندمٌ على ما قلتِ: فإنه يرجى ألا يضيع ما عملتِ من خير.
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث (أي: أتعبد) بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم فهل فيها من أجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أسلمتَ على ما سلف من خير ". رواه البخاري (١٣٦٩) ومسلم (١٢٣) .
وعليك أختي المسلمة وعلى جميع إخواننا المسلمين جعل أمر الدين والاعتقاد بمعزل عن مثل هذه المساومات إذ دين الإنسان وسلامة معتقده هو رأس مال الإنسان الذي به يحقق سعادة الدارين ورضا المولى سبحانه.
ثانياً:
ومَن دعا ربَّه تبارك وتعالى فإنه يُستجاب له على كل حال، وليست الاستجابة هي – فقط – تحقيق المطلوب في الدعاء، بل الاستجابة لها وجهان آخران وهما: صرف شرٍّ وسوء عن الداعي بقدر دعوته، وادخار أجر الدعاء ثوباً يلقاه الداعي يوم القيامة.
وقد وعد الله تعالى على لسان رسوله من دعاه مستوفياً الشروط بأحد هذه الثلاث فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مِن مسلمٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ إلا أعطاه بها إحدى خصال ثلاث: إما أنْ يعجِّل له دعوتَه، وإمَّا أنْ يدَّخر له من الخير مثلها، وإما أنْ يصرف عنه من الشرِّ مثلها، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر؟ قال: الله أكثر ". رواه أحمد (١٠٧٠٩) ، وقد جوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " (٢ / ٤٧٩) ، وصحَّحه الحافظ ابن حجر في " الفتح " (١١ / ١١٥) .
وكل هذا هو معنى قوله تبارك وتعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} غافر / ٦٠، وقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة / ١٨٦.
وقد يكون الخير للداعي هو عدم تحقيق مطلوبه لما في حصوله من الشر أو الفتنة له، وهو جاهل بهذا لا يدريه، فصرفه الله تعالى عنه وأعطاه ما هو خير له في الدنيا بصرف شر عنه أو في الآخرة بادخار ثواب الدعاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فالدعوة التى ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب أو مثله، وهذا غاية الإجابة، فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعاً أو مفسداً للداعى أو لغيره، والداعي جاهل لايعلم ما فيه المفسدة عليه، والرب قريب مجيب وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، والكريم الرحيم إذا سئل شيئاً بعينه وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه: أعطاه نظيره، كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له، فإنه يعطيه من ماله نظيره، ولله المثل الأعلى.
" مجموع الفتاوى " (١٤ / ٣٦٨) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب