[قال ابن القيم رحمه الله تعالى:]
فإن قيل ما تقولون في صلاة من عدِم الخشوع، هل يعتد بها أم لا؟
قيل: أما الاعتداد بها في الثواب: فلا يعتد بها، إلا بما عقل فيه منها، وخشع فيه لربه.
قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها.
وفي المسند مرفوعا: إن العبد ليصلي الصلاة، ولم يكتب له إلا نصفها، أو ثلثها أو ربعها حتى بلغ عشرها.
فقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم، فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح، ولو اعْتُدَّ له بها ثوابا لكان من المفلحين. وأما الاعتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع وتعقلها اعتد بها إجماعا، وكانت من السنن والأذكار عقيبها (بعدها) جوابر ومكملات لنقصها.
وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد. ومن هذا أيضا اختلافهم في الخشوع في الصلاة وفيه قولان للفقهاء، وهما في مذهب أحمد وغيره.
وعلى القولين: اختلافهم في وجوب الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته، فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد ولم يوجبها أكثر الفقهاء.
واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله: (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول: أذكر كذا، أذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يُضل الرجل أن يدري كم صلى) .
ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا ثواب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها، ثلثها، ربعها، حتى بلغ عشرها)
وقال ابن عباس: (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها) فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها وإن سميت صحيحة باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة. مدارج السالكين ١/١١٢
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: (إذا أذن المؤذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا اذكر كذا، ما لم يكن يذكر، حتى يظل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس) . قالوا: فأمره النبي في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها، حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو، ولم يأمره بإعادتها، ولو كانت باطلة - كما زعمتم - لأمره بإعادتها.
قالوا: وهذا هو السر في سجدتي السهو، ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد، وكونه حال بينه وبين الحضور في الصلاة، ولهذا سماها النبي المرغمتين. مدارج السالكين ١/٥٢٨-٥٣٠
فإن أردتم وجوب الإعادة: لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذاك كله إليه إن شاء أن يحصلها وإن شاء أن يفوتها على نفسه.
وإن أردتم بوجوبها أنا نلزمه بها ونعاقبه على تركها ونرتب عليه أحكام تارك الصلاة فلا.
وهذا هو أرجح القولين. والله أعلم.