للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقدم لها شاب فرفضته من أجل تشككها من توبته وخوفها من انتكاسته

[السُّؤَالُ]

ـ[أريد استشارتكم؛ فأنا في حيرة من أمري: أنا فتاة ملتزمة - ولله الحمد -، أحافظ على صلاتي، وصيامي، وقيام الليل، وعند مشاهدة التلفاز أشاهده بتحفظ، فلا أنظر إلى الحرام والغناء، تقدم لخطبتي شاب، جميع مواصفاته جيدة، ولكن عندما جلست للحديث معه وكنت في حضرة أهلي وأرتدي الحجاب: تحدثنا، وأعجبني كل شيء فيه، كذلك هو أُعجب بي جدّاً، وقال لي: أنا أريد فتاة تكون ملتزمة، ولم أجد مثلك، لكن في نهاية الحديث صارحني بماضيه، فقال لي: أنا فعلت جميع أنواع المعاصي إلا الزنا، والمخدرات، لم أقربهم، وكنت على علاقة مع الفتيات، وكنت أجلس على التشات، لكني تركت ذلك، وتبت إلى الله، وأنا أحب أتزوج فتاة متدينة، وأُعجبت بتدينك، ولكن مع أنه قال لي إنه تاب إلَاّ أنه عندما كان عندي جاءته رسالة جوال فقلت له: من هذا؟ ضحك، وقال لي: هذه فتاة، قلت له: ما دام أنك أقلعت عن ذلك لماذا لا تغير رقمك؟ قال لي: أنا أعطيك الجوال وأنتِ ردي عليهم مثل ما تريدين، فرفضته بعد أن كنتُ موافقةً عليه، مع أنه رضي بي، ورضي بقصري، ونحافتي، فأنا قصيرة، ونحيفة، وكان هذا في شهر رمضان، كنت أدعو الله إن كان سيبعدني عنك: أبعِده عنِّي، وسبحان الله، صارحني، ورفضته. الأمر الذي يحيِّرني: في هذه الأيام حلمت حلماً: أن شابّاً جاء لخطبتي، وعندما أردت الدخول لرؤيته: كنتُ أنتظر أخي حتى يفرغ من الصلاة ليدخل معي، وكان شعري طويلا جدّاً وجميلاً، ودخلت كاشفة لشعري فقط، وجلست بجانبه، وكان يلبس خاتماً من فضة في يده اليمنى، أما أنا لم أكن لابسة ذلك الخاتم، هذا الشاب لا أعرفه، وكان يتحدث مع أهلي عندما جلست بجانبه، وقد رأيتُ في تلك الجلسة الشاب الذي تقدم لخطبتي فتعجبتُ لماذا هو موجود؟ وكان هذا المنام قبل قيامي لصلاة قيام الليل، وفي اليوم الثاني رأيت أنني أشتري خاتماً، ولبسته في يدي، وأسورة، أو ساعة، ولكن لم ألبسها لأنها تحتاج إلى تصغير، في اليوم التالي قال لي أحد الأشخاص أن ذلك الشاب الذي رفضتيه لم يجد إلى الآن فتاة مثلك، وهو معجب بك. أريد استشارتكم، أنا نفسي فيه، فأنا ارتحت له، ولكن رفضته من أجل الله، خائفة أن لا تكون توبته صادقة، أو أن يعود إلى شرب الخمر، مع أنه قال لي إنه تاب، خائفة أن يبعدني عن الله، أو يجرني إلى معصية الله، أنا أحب أن أوافق عليه حتى آخذ بيده إلى الله، ولكن خائفة أن لا أستطيع التأثير عليه، مع أنه هو يريد فتاة ملتزمة، هل يجوز لي أن أخبر ذلك الشخص أن يلمح له ليطلبني مرة أخرى، أو يحادثني على الإنترنت على الماسنجر؛ لأنه قد يخاف أن يكسف مرة أخرى، فربما إذا حدثني على الماسنجر أعرف عنه أكثر؟ ماذا أفعل؟ هل أنساه أم أوافق عليه وأنال به الأجر؟ أم إن من يتعلق بهذه المعاصي لا يستطيع تركها؟ ورأيته مرة أخرى في منامي وهو يمسك بثيابي ويقول لي: أنا عشت خمس سنوات في ضلال ولقيتك لماذا تخليتِ عني؟ ماذا أفعل؟ هل موافقتي له قد يهتدي على يدي؟ أم يبعدني عن ربي؟ أرجوكم أفيدوني ولا تتأخروا عليَّ بالرد، أرجوكم، أرجوكم، جزاكم الله خيراً. أريد الرد على البريد الالكتروني، مع العلم أنني إذا تحدثت معه على النت سيكون في حدود ما يرضي الله.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لن نبنيَ جوابنا على ما رأيتيه في منامكِ، بل على الحقائق التي ذكرتيها في سؤالكِ مما كان في اليقظة؛ لأن ما يُرى في المنام ليس شيئاً واحداً، فبعضه يكون حلماً من الشيطان، وبعضه يكون حديث نفْس، ويظهر لنا أن الأمر عندك هو من حديث النفْس.

والذي لمسناه من سؤالك هو أنك تتصفين ببعض الصفات التي قد تؤثِّر على حياتك قبل الزواج وبعده، وهذه الصفات هي: " التشكك الزائد " و " الخوف من المجهول "! .

فأنتِ تتشككين في حقيقة توبة ذلك الخاطب، وعندك أن بعض المعاصي لا يُتاب منها! ولا يتركها صاحبها! وعندك " الخوف " من أن يؤدي الزواج به إلى التأثير عليكِ وجرك معه إلى أن تفعلي أفعاله!

وكلا الأمرين خطأ، ولا ينبغي لك التخلق بمثل هذا، وظننا بك حسنٌ، وأنك تريدين القُرب من الله تعالى، وأنك تسعين لنيل رضاه، لكن ليس بمثل هذه الأشياء تتم الأمور.

فالرجل قد اعترف بأنه كان مبتلى ببعض المعاصي، وذكر أنه لم يفعل الزنا ولم يتناول المخدرات، وليس ثمة ما يُلزمه بالبوح بهذا أصلاً، بل إننا نراه مخطئاً في فعله، وكان الواجب عليه ستر نفسه، والاكتفاء بذكر حاله الذي هو عليه الآن.

وقد ظهر منه – أيضاً – أمرٌ مستحسن لا يصدر إلا عن صادق في توبته – كما نراه والله أعلم بحقيقته – وهو إعطاؤك الجوال لتردي على تلك الفتاة المعاكسة وتمكينك من ذلك في غيرها، وإننا لنعلم من حال كثير من التائبين أنه يلاحقهم شياطين الإنس من النساء والرجال لصدِّه عن التوبة، وإرجاعه إلى حاله الأول، وقد تكون بعض الفتيات ممن كان يعرفهن يفعلن ذلك، وقد سلك طريقاً جيدة في التخلص منها، وهو أنه جعلكِ تردين عليهن، وهذا يدل على صدقه، وعلى سلوكه طريقة ناجحة في التخلص منهنَّ.

ولا ينبغي لك " التشكك " في توبة الناس، وإساءة الظن بهم، والمسلم ليس له إلا ما ظر من الناس، وفي حال تقدم الراغب بالزواج لطلب فتاة: فإن من حقها السؤال عن دينه وخلقه، ومعرفة ذلك من المقربين منه، وليس لها ولا لأهلها البحث عن ماضيه، والنبش على أحواله السالفة، والعبرة بما هو عليه الآن، لا ما عليه كان.

كما أنه لا ينبغي لك وضع العراقيل أمام الاقتران بشخص بحجة أنه قد يُفتن، وأنك قد تفعلين مثل فعله بداعي التأثير عليك، ولماذا كان الخوف من جهته ولم يكن من جهتك؟! نعم، كما أنه هو معرَّض للفتنة فكذلك الأمر بالنسبة لك، فهل ضمنتِ العصمة من الفتنة؟ قطعاً لا، فلماذا الخوف من فتنة الطرف الآخر وعدم الخوف من فتنة نفسك؟! .

نحن لا نعرفك، ولا نعرفه، ولسنا بصدد إقناعك به، ولا تشجيعك على الاقتران به، ونحن لا ندري فقد يصلح لك ولا تصلحين له، وقد يكون العكس، لكننا نتكلم معك بحسب ما جاء في سؤالك واستفسارك، ونحن نتكلم معك عن عموم حالك لا عن خصوص مسألتك؛ لأننا نرى أن ما تتشككين به وما تخافين منه قد يكون له أثر سلبي على حياتك.

ونلخص ما نريد قوله لكِ بنقاط محددة:

١. اقبلي من الخاطب ظاهر حاله، ولا تلتفتي لماضيه الذي تاب منه، وصدق في توبته.

٢. احرصي على التزوج بصاحب الخلُق والدِّين، فهو الذي يعينك على طاعة ربك، ويأخذ بيدك لطريق الجنة.

٣. ليكن خوفك من الانتكاس عن طريق الهداية دافعاً لك للاستقامة على دين الله تعالى، وإصلاح باطنك، كما تصلحين ظاهرك، وأكثر، وافعلي مثل ذلك مع زوج المستقبل، أعينيه على طاعة الله تعالى، وخذي بيده لطريق الاستقامة، فاستثمري خوفك من الانتكاس إلى برنامج لتثبيت الإيمان وزيادته.

٤. ليس ثمة من هو معصوم عن الفتنة، فلا تظني بنفسك خيراً، وبالناس شرّاً، والثقة بالنفس قد تؤدي إلى الغرور، وإساءة الظن بالآخرين قد تؤدي إلى العيش في ظلمة حالكة، لا يرى الإنسان فيها حتى نفسه، فضلا أن يرى الطريق أمامه، أو يرى غيره.

٥. صارحي أهلك بحقيقة تراجعك عن رفضه، ولا تجعلي ذلك لنفسك دونهم، فالقبول والرفض كما أنه حق لك، فهو حق لهم كذلك، ولن يكون موقفهم حسناً لو أنه رجع ليطلبك دون أن يكون عند أهلك سابق علم بتراجعك عن قرارك الأول.

٦. اجعلي أحد أفراد أهلك من الرجال يتثبت من الخاطب، ويسأل عنه من يعرفه، ويتحرى عن حاله واستقامته، لاسيما فيما يتعلق بالمعاصي التي كانت منه في ماضيه، فالذي تاب من تلك السبيل، وسلك طريق الهداية، لا يخفى حاله إن شاء الله: من استقامته في خلقه، وحرصه على صلاة الجماعة في حيه، وخاصة صلاة الفجر.

٠٧ ليكن الحكم على اختيارك، هو ما يظهر لك من دينه وخلقه، وصلاحيته لأن يكون لك زوجا؛ تأمنين معه على دينك وعرضك، بحسب ما فصلناه من قبل؛ وليس الدافع أن يهديه الله على يديك؛ فتأثير الرجل على امرأته أشد من تأثيرها عليه، لاسيما في ناحية الهداية والاستقامة، فإن لم تطمئني إلى حسن حاله وصدق توبته، فلا ننصحك حينئذ بالإقدام على الاقتران به.

٧. في حال اطمئنانك إليه، يمكنك إبلاغ ذلك الخاطب أن يتقدم لك، عن طريق أحد أفراد أهلك، أو عن طريق واسطة من النساء تعرفينها وتثقين بها، وتكون من محارمه.

٨. لا يجوز لك الكلام معه على الماسنجر، ولا غيره من وسائل الاتصال والمراسلة، وقد ذكرنا في الموقع فتاوى كثيرة لأهل العلم في تحريم ذلك، ولا تغتري بتزيين الشيطان أن ذلك سيكون في حدود ما يرضي الله، أو أن ذلك سيكون مرة واحدة أو مرتين فقط، فهذا من طرق الشيطان ليوقع المسلم فيما لا تُحمد عقباه من المخالفة والآثار السيئة في الدنيا على حياته.

٩. إذا لم يتيسر أمر ذلك الخاطب: فلعل ذلك أن يكون خيراً لك وله، فاستفيدي مما حصل، ودوامي على الدعاء بأن ييسر الله لك أمرك، فلا غنى للعبد عن ربه.

١٠. وقد جاء في سؤالك أنك ترين التلفاز بتحفظ! ولا ندري وجه التحفظ هذا، فما يظهر في التلفاز أكثره – وفي كثير من القنوات كله – لا يجوز النظر إليه، وخاصة من النساء، فلا يجوز لك نظر الريبة أو الشهوة إلى الرجال، أو النظر ـ مطلقا ـ إلى عوراتهم، ولا سماع الموسيقى والمعازف منه، ولا يحل لك النظر إلا لبنات جنسك، مع خلو ذلك من صوت المعازف.

والله الموفق

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>