حكم العمل في مصانع إنتاج بناطيل الجينز والملابس القصيرة للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة لإنتاج الملابس الجاهزة، وتقوم بعمل بنطلونات جينز حريمي، ولكننا نقوم بتصديرها إلى الخارج، ومن الممكن أن تباع داخليّاً في مصر، ولكن بيعها داخليّاً ليس أساس العمل، وبجانب إنتاج البنطلونات الجينز والشورتات الحريمي يكون هناك إنتاج ملابس للأطفال، ولكن الغالب على المصنع إنتاج البنطلونات الجينز، والقماش الحريمي حسب الطلبية، وأحيانا قليلة رجالي، فهل هذا العمل يعتبر حلالاً أم حراماً؟ وهل أتركة أم لا - مع العلم أنني أعمل في الإدارة المسئولة عن التعامل مع المستوردين الأجانب، وأقوم باستلام الطلبيات، ومواصفاتها، وإعطائها للعاملين -؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعاني المجتمعات من انتشار الفحش والمنكرات فيها، ومن المنكرات الظاهرة في تلك المجتمعات ظاهرة لباس النساء المخالف للشَّرع، سواء لضيقه وتجسيمه للعورة، أو لقصَره وإبانته عن أجزاء مثيرة من أجسادهن، أو لكونه شفافاً لا يستر ما تحته.
وهذه الملابس المحرَّم لبسها لا يتعلق إثمها بمن لبسها فقط، بل وبمن باعها لهن، وقبل ذلك بمن اشتراها للباعة، وقبل ذلك كله بمن صنعها وأنتجها لأولئك المشترين، وغير خافٍ على أحدٍ أنه يأثم كذلك من رخَّص لتلك المصانع بذلك الإنتاج، ومن رضي بوجوده، وساهم في الحفاظ عليه، وكل أولئك كانوا السبب في وجود ذلك المنكر على جسد تلك الفتاة أو المرأة، وسيحاسب هؤلاء جميعاً على أعمالهم وأفعالهم، كلٌّ بحسب جُرمه ومخالفته للشَّرع.
ولولا الترخيص لذلك المصنع لما عمل وأنتج، ولو العمَّال لما قام واشتغل، ولولا التجار لما وَجدت المتبرجة مكاناً تشتري فيه ذلك اللباس المحرَّم، فكان الجميع شركاء في انتشار الفاحشة والتبرج السافر، وشركاء في كل ما ترتب على ذلك من آثام النظر المحرَّم، والعلاقات الآثمة، وما ترتب عليه من فسادٍ للقلوب، والأخلاق، والدِّين.
ثانياً:
لا فرق بين تصنيع تلك الملابس الضيقة والقصيرة وبيعها للكفار أو للمسلمين، فالكفار مخاطبون بأحكام الشريعة، وهذه الملابس تنشر الفساد والمنكرات، وإن كان بيعها للمسلمات أشد إثماً.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
الرجاء من سماحتكم إفتاءنا في حكم بيع البناطيل الضيقة النسائية بأنواعها، وما يسمى منها بـ " الجنز "، و " الاسترتش " إضافة إلى الأطقم التي تتكون من بناطيل وبلايز، إضافة إلى بيع الأحذية النسائية ذات الكعب العالية، إضافة إلى بيع صبغات الشعر بأنواعها، وألوانها المختلفة، خصوصاً ما يخص النساء، إضافة إلى بيع الملابس النسائية الشفافة، أو ما يسمى بـ " الشيفون "، إضافة إلى الفساتين النسائية ذات نصف كم، والقصير منها، والتنانير النسائية القصيرة.
فأجابوا:
"كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك: فإنه يحرم تصنيعه، واستيراده، وبيعه، وترويجه بين المسلمين، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم - هداهنَّ الله إلى الصواب -: مِن لبس الملابس الشفافة، والضيقة والقصيرة، ويجمع ذلك كله: إظهار المفاتن والزينة، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية: فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر، وبيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين بها على الخمر والفاحشة، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية) .
فالواجب على كل تاجر مسلم: تقوى الله عز وجل، والنصح لإخوانه المسلمين، فلا يصنع، ولا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم، ويترك ما فيه شر وضرر عليهم، وفي الحلال غنية عن الحرام، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ ٢، ٣، وهذا النصح هو مقتضى الإيمان، قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) التوبة/ ٧١، وقال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) خرَّجه مسلم في صحيحه، وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) متفق على صحته، ومراد شيخ الإسلام رحمه الله بقوله فيما تقدم: " ... ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر.. إلخ ": كراهة تحريم كما يعلم ذلك من فتاواه في مواضع أخرى " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٣ / ١٠٩ – ١١١) .
وانظر جواب السؤال رقم (٥٠٦٦) و (١٠٤٣٦) .
واعلم أن المال المكتسب من هذا العمل مال محرَّم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ) رواه أبو داود (٣٤٨٨) وصححه الألباني في " صحيج أبي داود ".
فتخلص من هذا العمل، وأطب مطعمك بطيب عملك، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لذلك، وأن ييسر أمرك، ويفتح لك من خزائنه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب