أهله يقعون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم ويسبون أصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[أوصى الله ورسوله والأمة الإسلامية بصلة الأرحام؛ فوالله اليوم لا نشعر بها , لسوء الناس الذين نعيش معهم، ولسوء فهمهم وغفلتهم عن الله سبحانه وتعالى. الأهل آذوني، يشتمون ويسبون أمي إذا كنت موجودا!! الأهل في بيتهم إذا كنت جالسا يسبون ويشتمون في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم -يسبون أصحابه؟!! فهل علي ذنب إن قاطعتهم؟ وأسال الله العافية وأن يوفقكم فيما تعملون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مثل هؤلاء الذي يعتادون شتم الأمهات، لا ينبغي للإنسان أن يجلس معهم إلا أن يضطر إلى ذلك، ويجب عليه أن يظهر لهم كراهية أفعالهم وأخلاقهم، وأن يبذل الوسائل لدعوتهم ونصحهم، حتى يقلعوا عن هذه الرذائل.
وإن كان هؤلاء من القرابة والأرحام، فالأولى بالمرء أن يجاهد نفسه على صلتهم ودعوتهم إلى الله تعالى، وبذل الجهد في ذلك، فلأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك من حمر النعم، ولا ينبغي أن يهجرهم لحق نفسه.
ثانيا:
كل شيء قد يُحتمل، إلا الطعن في رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، والطعن في أصحابه وحملة دينه، وهذا مستلزم للطعن في رب العالمين سبحانه، الذي زكى نبيه صلى الله عليه وسلم واختاره واصطفاه، وزكى أصحابه واختارهم وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، أي في زوجاته أو إحداهن، طعن فيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اختارها، وأمسكها، وظل مصاحبا لها حتى فارق الدنيا، وهو طعن في الله تعالى الذي اختارها لنبيه، ورضيها له، ولم يأمره بفراقها.
ومثل هذا الطعن لا يصدر إلا ممن طمس الله تعالى بصيرته عن الهدى ودين الحق، من الرافضة وأشباههم من أهل الضلال، أو من تأثر بهم، وانخدع بضلالتهم، نسأل الله السلامة.
ولهذا فالواجب عليك أن تنكر هذا المنكر العظيم، وأن تبين لأهلك أن هذا ردة عن الدين، وسلوك لسبيل المجرمين الضالين، وأن تحذرهم من سوء العاقبة في الدنيا قبل الآخرة.
فإن استجابوا فالحمد لله، وإن أصروا فابذل كل وسيلة متاحة لإقناعهم، ومن ذلك استضافة أحد العلماء لنصحهم، ولو بطريق غير مباشر، أو إحضار بعض الكتب أو الأشرطة في هذا الموضوع، فإن لم يُجد ذلك معهم، وأمكنك مقاطعتهم أو مفارقتهم، فافعل ذلك غيرة على حبيبك صلى الله عليه وسلم، وأقل الأحوال أن تعلن إنكارك كلما فعلوا ذلك وأن تفارق المجلس حينئذ.
قال البغوي رحمه الله ـ في تعليقه على حديث كعب بن مالك وأصحابه ـ:
" وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد ... ، وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم على ذلك، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم. " انتهى من شرح السنة (١/٢٢٧) .
وقال ابن مفلح رحمه الله: " قال أحمد..: ويجب هجر من كفر , أو فسق ببدعة , أو دعا إلى بدعة مضلة , أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه , أو خاف الاغترار به , والتأذي دون غيره وقيل: يجب هجره مطلقا وهو ظاهر كلام الإمام أحمد السابق , وقطع ابن عقيل به في معتقده قال ليكون ذلك كسرا له واستصلاحا واستدل عليه.
وقال أيضا [يعني: ابن عقيل] : إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع , ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك , وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة , عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون , هذا يقول: حديث خرافة والمعري يقول: تلوا باطلا وجلوا صارما وقالوا صدقنا فقلنا نعم يعني بالباطل كتاب الله عز وجل. وعاشوا سنين وعظمت قبورهم واشتريت تصانيفهم , وهذا يدل على برودة الدين في القلب. وهذا المعنى قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى.
وقال الخلال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه. قال: لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه ...
وقال القاضي أبو الحسين في التمام: لا تختلف الرواية وفي وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة أطلق كما ترى , وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر , وغيره في المبتدع والفاسق.
قال: ولا فرق في ذلك بين ذي الرحم , والأجنبي إذا كان الحق لله تعالى , فأما إذا كان الحق لآدمي كالقذف والسب والغيبة وأخذ ماله غصبا ونحو ذلك نظرت , فإن كان المهاجر والفاعل لذلك من أقاربه وأرحامه لم تجز هجرته , وإن كان غيره , فهل تجوز هجرته أم لا؟ على روايتين ...
قال القاضي: وإنما كره أحمد هجرة الأقارب لحق نفسه للأخبار في صلة الرحم , وإنما أجازها في حق الله تعالى , ومنعها في حق الغير على رواية المروذي في حق الأجنبي ; لأن حق الله عز وجل أضيق لأنه لا يدخله العفو وحق الآدمي أخف لأنه يدخله العفو , ويبين هذا قول النبي: صلى الله عليه وسلم فدين الله عز وجل أحق أن يقضى.
وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق , وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في مواضع , وهو الأولى والأخبار في صلة الرحم تخص بأدلة الهجر , وحق الآدمي فيه حق الله تعالى , وهو مبني على المساهلة والمسامحة بخلاف حق الآدمي."
انتهى من الآداب الشرعية (١/٢٣٧-٢٣٨) .
نسأل الله لك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب