أرضعت كل منهما طفل صاحبتها، فما يترتب على ذلك من أحكام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إيضاح أحكام الرضاعة كاملة مثلا في حالة إرضاعي لابن أخي زوجي الذي يصغر ابني بشهر، مع العلم أن ابني قد أرضعته زوجة أخي زوجي. ولدي ابنة وابن يكبران من أرضعته زوجة أخي زوجي، وأيضا هي لديها ولدان قبل الطفل الذي أرضعته أنا.
أرجو إيضاح نوعية وكمية الرضاعة المحرمة وما الأحكام التي تجري على باقي الإخوان لهم؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ارتضع من امرأة خمس رضعات، وهو في سن الحولين، فقد صار ابنا لها من الرضاعة، وصارت هي أما له، كما أن زوجها (صاحب اللبن) يصير أبا له من الرضاعة، وكل من رضع من هذه المرأة فهو أخ أو أخت له من الرضاعة، وهكذا.
وذلك لما روى مسلم (١٤٥٢) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ.
ولما روى الترمذي (١١٥٢) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ) . صححه الألباني في "الإرواء" (٢١٥٠) .
ومعنى "في الثدي" أي: في زمن الرضاع. تقول العرب: مات فلان في الثدي أي: في زمن الرضاع قبل الفطام. قاله الشوكاني.
قَالَ الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لا تُحَرِّمُ إِلا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لا يُحَرِّمُ شَيْئًا" اهـ.
وروى البخاري (٢٦٤٥) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: (لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ) .
وحد الرضعة:
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (٥/٥٧٥) :
"الرضعة مرة من الرضاع بلا شك، كضربة وجلسة وأكلة، فمتى التقم الثدي فامتص منه ثم تركه من غير عارض كان ذلك رضعة لأن الشرع ورد بذلك مطلقا فحمل على العرف، والعرف هذا. والقطع العارض لتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه ثم يعود عن قرب لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الآكل إذا قطع أكلته بذلك ثم عاد عن قريب لم يكن أكلتين بل واحدة، هذا مذهب الشافعي. . . ولو انتقل من ثدي المرأة إلى ثديها الآخر كانا رضعة واحدة" اهـ. راجع السؤال (٢٨٦٤) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
(إذا أرضعت امرأة طفلا خمس رضعات معلومات في الحولين أو أكثر من الخمس، صار الرضيع ولدا لها ولزوجها صاحب اللبن، وصار جميع أولاد المرأة من زوجها صاحب اللبن ومن غيره إخوة لهذا الرضيع، وصار أولاد الزوج صاحب اللبن، من المرضعة وغيرها إخوة للرضيع. فصار إخوتها أخوالا له، وإخوة الزوج صاحب اللبن أعماما له، وصار أبو المرأة جدا للرضيع، وصار أبو الزوج صاحب اللبن جدا للرضيع، وأمه جدة للرضيع؛ لقول الله جل وعلا في المحرمات من سورة النساء: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) النساء /٢٣. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين) ، ولما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك) . أخرجه الترمذي بهذا اللفظ وأصله في صحيح مسلم) انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (٣/٣٣٣) .
والحاصل: أن ابنك إذا كان قد رضع خمس رضعات في الحولين من زوجة أخي زوجك، فهو أخ لجميع أولادها وبناتها.
وكذلك ابن هذه المرأة الذي رضع منك، يصبح ابنا لك، وأخاً لجميع أولادك وبناتك، سواء كانوا أصغر أو أكبر من الرضيع، وسواء في ذلك من كان موجودا الآن، ومن سيولد لك بعد.
ولأولادك – عدا الابن الذي رضع من زوجة عمه- أن يتزوجوا من بنات عمهم، لأنه لا محرمية بينهم.
ولبناتك أن يتزوجن من أبناء عمهم إلا من الابن الذي رضع منك لأنهم أخ لهن، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب