للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زيارة القبور وشهود مناسبة يزعمون فيها حضور أرواح الأولياء

[السُّؤَالُ]

ـ[ما الحكم في زيارة القبور والصلاة هناك؟

في باكستان هناك شيء اسمه عرس يقام كل سنة، هل يجوز حضوره؟

الأشخاص الذين يحضرون يقولون إن الفقيد كان من أولياء الله ويمكن أن يوصل دعاءنا وأن الدعاء من رجل صالح يتم قبوله أكثر. فهل يمكن أن تلقي بعض الضوء على هذه القضية؟

جزاك الله خيرا.]ـ

[الْجَوَابُ]

١. زيارة القبور نوعان:

أحدهما: مشروع ومطلوب لأجل الدعاء للأموات والترحم عليهم ولأجل تذكر الموت والإعداد للآخرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة". رواه مسلم (٩٧٦) .

وكان يزورها النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أصحابه رضي الله عنهم.

= عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد".

رواه مسلم (٩٧٤) .

النوع الثاني: بدعي وهو زيارة القبور لدعاء أهلها والاستغاثة بهم أو للذبح لهم أو للنذر لهم وهذا منكر وشرك أكبر ويلتحق بذلك أن يزوروها للدعاء عندها والصلاة عندها والقراءة عندها وهذا بدعة غير مشروع.

٢. أما الصلاة عندها: فإن كان المراد: صلاة الجنازة: فجائز غير ممنوع، وإن كان المراد غيرها من الفرائض والنوافل: فممنوع محرَّم.

= دليل جواز صلاة الجنازة في المقبرة.

عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يَقُمّ المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال: "أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها". رواه البخاري (٤٤٦) ومسلم (٩٥٦) .

= ودليل عدم جواز صلاة غير الجنازة في المقبرة:

أ. عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: "لما نزل (أي الموت) برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذِّر مثل ما صنعوا. رواه البخاري (٤٢٥) ومسلم (٥٣١) .

ب. عن أبي مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". رواه مسلم (٩٧٢) .

٣. أما العرس الذي يقام كل سنة: فإن كان فيه شيء من العبادات، أو يظن من يحضره أنهم يتقربون إلى الله تعالى به، أو كان فيه شيء من المعاصي والمنكرات: فلا يجوز حضوره، ولا المشاركة فيه.

ولو خلا من ذلك كله فلا تحضروا فيه أيضا لأنّ اتّخاذ عيد غير الأعياد الشرعية بدعة محرّمة واعتقاد الحاضرين أنّ روح الوليّ تحضر هذا العرس هو اعتقاد بدعيّ محرّم كذلك ولما قد يُفضي إليه في المستقبل من اعتقاد أنه من الدين، فيكون فتنة للناس. فيجب إنكار هذا والنهي عنه وعدم حضوره، والله الهادي إلى سواء السبيل.

٤. أما طلب الدعاء من الرجل الصالح في حياته: فإنه يجوز، لما يرجى من إجابة دعوته لصلاحه، والدليل:

أ. عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه" أن رجلاً ضريرَ البصر أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَني. قاَلَ "إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ" (وفي روايةٍ "وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ") . فَقَالَ: أُدْعُهُ. فأَمَرَهُ أَنْ يتوَضَأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءهُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ... ".

رواه أحمد (٤/١٣٨) والترمذي (٥/٥٦٩) وابن ماجة (١/٤٤١) ، وهو حديثٌ صحيحٌ.

ب. عن أنس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا فمد يديه ودعا. رواه البخاري (٨٩٠) ومسلم (٨٩٧) .

٥. فإذا مات الولي أو النبي لم يكن من المشروع طلب الدعاء منه لأنه انقطع عن الدنيا، وهو باب من أبواب الشرك، لم يدخله أحد من صالحي هذه الأمة من الصحابة ومن تبعهم.

قال تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف ٥] .

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وتفصيل القول: إن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم أو وفاء دينه من غير جهة معينة أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة وانتصاره على عدوه وهداية قلبه وغفران ذنبه أو دخوله الجنة أو نجاته من النار أو أن يتعلم العلم والقرآن أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكي نفسه وأمثال ذلك: فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ سواء كان حيا أو ميتا اغفر ذنبي ولا انصرني على عدوي ولا اشف مريضي ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي وما أشبه ذلك.

ومن سأل ذلك مخلوقا كائنا من كان: فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه قال الله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأميَ إلهين من دون الله} [المائدة ١١٦] الآية، وقال الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة ٣١] .

" مجموع الفتاوى " ٢٧ / ٦٧، ٦٨.

وقال:

وأما من يأتي إلى قبر نبيٍّ أو صالح أو من يعتقد فيه أنه قبر نبيٍّ أو رجل صالح وليس كذلك ويسأله ويستنجده فهذا على ثلاث درجات:

إحداها: أن يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو مرض دوابه أو يقضى دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه وأهله ودوابه ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل: هذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل.

وإن قال أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي فى هذه الأمور لأنى اتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه: فهذا من أفعال المشركين والنصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم فى مطالبهم وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر ٣] وقال سبحانه وتعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} [الزمر ٤٧] ، وقال تعالى: {ما لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيع أفلا تتذكرون} [السجدة ٤] ، وقال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة ٢٥٥] فبين الفرق بينه وبين خلقه فإن من عادة الناس أن يستشفعوا إلى الكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته إما رغبة وإما رهبة وإما حياء وإما مودة وإما غير ذلك والله سبحانه لا يشفع عنده أحد حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما شاء وشفاعة الشافع من إذنه فالأمر كله له ... وقول كثير من الضلال هذا أقرب إلى الله مني وأنا بعيد من الله لا يمكنني أن أدعوه إلا بهذه الواسطة ونحو ذلك من أقوال المشركين فإن الله تعالى يقول: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة ١٨٧] ........ وفي الصحيح أنهم كانوا في سفر وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا بل تدعون سميعا قريبا إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته وقد أمر الله تعالى العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته وأمر كلا منهم أن يقولوا: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة ٥] ، وقد أخبر عن المشركين أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربوا إلى الله زلفى} [الزمر ٣] .

ثم يقال لهذا المشرك أنت إذا دعوت هذا فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك فهذا جهل وضلال وكفر وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم فلم عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ألا تسمع إلى ما خرجه البخارى وغيره عن جابر رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الإستخارة فى الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن ...

وإن كنت تعلم أنه أقرب إلى الله منك وأعلى درجة عند الله منك فهذا حق لكن كلمة حق أريد بها باطل فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة منك فإنما معناه أن يثيبه ويعطيه أكثر مما يعطيك ليس معناه إنك إذا دعوته كان الله يقضى حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله تعالى فإنك إن كنت مستحقا للعقاب ورد الدعاء مثلا لما فيه من العدوان فالنبى والصالح لا يعين على ما يكرهه الله ولا يسعى فيما يبغضه الله وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول. أ. هـ

" مجموع الفتاوى " ٢٧ / ٧٢- ٧٥.

وننصح الأخ السائل بالتوسع من المصدر السابق -. .

[الْمَصْدَرُ]

مجموع الفتاوى ٢٧ / ٧٢- ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>