للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التسليم بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنة هو الأفضل والأكمل

[السُّؤَالُ]

ـ[هل من الجائز أن ألقي السلام بصيغ متعددة؟ أي: أن صيغة السلام ليست مقتصرة على " السلام عليكم ورحمة الله ". مثلاً: هل يجوز: "سلام عليكم من ربّ غفور رحيم" أو: "بسم الرب الأعظم أبدأ الكلام.. وعلى نبيه الكريم أرسل السلام"؟ والسبب: أني وجدتهما في منتدى واحترت فيهما.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

وردت صيغ متنوعة لإلقاء السلام في الكتاب والسنة، فلا حرج على المسلم أن يختار منها ما يشاء، غير أن الأفضل له أن يختار أكملها وأفضلها حتى يكون ذلك أكثر لثوابه.

وانظري بعض هذه الصيغ في جواب السؤال رقم (١٣٢٩٥٦) و (١٢٨٣٣٨) .

وإلقاء السلام ورده ـ بلا شك ـ من العبادات التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بها، والحكم في العبادات: أنه لا يجوز تغيير ألفاظها ولا كيفياتها عما وردت به النصوص.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"الأصل في الأذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتها وكيفياتها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٦/٨٧) .

ولماذا يعدل المسلم عن الألفاظ النبوية والهدي النبوي إلى غيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم (٨٦٧) .

والسلام شرعه الله تعالى لآدم عليه السلام وذريته إلى قيام الساعة، بل تستمر تحية المؤمنين: "السلام"، حتى بعد دخول الجنة.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى لما خلق آدم قَالَ له: (اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ - وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ - فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. قَالَ: فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) ، فالسلام تحية آدم وذريته.

وروى البخاري في "الأدب المفرد" (٩٨٩) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض، فأفشوا السلام بينكم) وحسنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (٧٦٤) .

وأما في الآخرة:

فقد قال الله تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) إبراهيم/٢٣.

وقال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الزمر/٧٣، وقال سبحانه: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/٢٣، ٢٤.

فإذا كان الأمر كذلك فالذي ينبغي عدم تغيير ألفاظ هذه العبادة، ولا الزيادة عليها، فهي سنة الأنبياء والمرسلين، وهي شعار المؤمنين من جميع الأمم.

أما الصيغتان الواردتان في السؤال، فالأولى:

" سلام عليكم من ربّ غفور رحيم ":

فإذا قال هذا مرة أو مرتين فلا بأس به، مع اعتقاد أن اللفظ النبوي أفضل، أما أن يتخذ ذلك شعاراً، ويداوم عليه، فأقل ما يقال فيه: إنه مكروه، لما فيه من المداومة على مخالفة السنة، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

وينبغي أن يكون قصد المُسَلِّم بهذا: الدعاء لمن سلَّم عليهم بأن الله تعالى الرب الغفور الرحيم يسلمهم، ويكتب لهم السلامة.

أما إذا كان قصده الاقتداء بقوله تعالى: (أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يس/٥٥ ـ ٥٨، فهذا خطأ في فهم الآية، لأن معنى الآية: أن هذا السلام الحاصل لأهل الجنة، هو من الله تعالى الرب الرحيم، فالله تعالى هو الذي يسلم على أهل الجنة.

وانظر: "تفسير ابن كثير" (٣/٧٥٤) ، و "تفسير السعدي" (ص ٨٢١) .

الصيغة الثانية التي وردت في السؤال: قول القائل: "بسم الرب الأعظم أبدأ الكلام، وعلى نبيه الكريم أرسل السلام".

فهذه ليست من صيغ السلام المشروع إفشاؤه بين الناس، وليس فيها: التسليم على الناس، إنما فيها إرسال السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ومع ذلك، فقوله: "وعلى نبيه الكريم أرسل السلام"، محل نظر.

فإنه لا يقال: أُرسل السلام إلى رسول الله، وأبعث بالسلام إلى رسول الله، ونحو ذلك.

وإنما يقال: السلام على رسول الله، أو: اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، كما يقال في التشهد في الصلاة: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .

ثم الاقتصار على السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط فيه نظر آخر، فإن الله تعالى أمرنا بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب/٥٦.

ولهذا قال النووي رحمه الله:

"إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقل: "صلى الله عليه فقط" ولا: "عليه السلام" فقط" انتهى.

"الأذكار" (ص ١٠٧) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>