الضابط في تغيير خلق الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يغير في خلق الله. وسؤالي: ما هو تعريف التبديل في خلق الله؟ فأنا في حيرة لأني أنظر إلى مستحضرات التجميل على أنها تغيير في خلق الله، وأن نتف الحواجب كيف يكون تغييراً في خلق الله بالرغم من أن الشعر سوف ينبت مرة أخرى؟ فالبعض يقول هنا إن التغيير مؤقت، فأنا أريد أن أعرف ماذا يعد من باب تغيير خلق الله؟ كما أن لدينا عادة استخدام الكريمات والمرطبات كي ينعم جلد المرأة. فهل هذه الأشياء مباحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
دلت النصوص على تحريم تغيير خلق الله، والإخبار بأن ذلك من أوامر الشيطان التي يضل بها الإنسان، كما قال تعالى: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) النساء/١١٧، ١١٨.
وعن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ) رواه البخاري (٤٨٨٦) ومسلم (٢١٢٥) .
ورواه النسائي (٥٢٥٣) بلفظ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
والْمُتَفَلِّجَات: جمع متفلجة، وهي التي تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الأَسْنَان.
قال النووي رحمه لله: " وَالْمُرَاد مُفَلِّجَات الْأَسْنَان بِأَنْ تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّات ... وَتَفْعَل ذَلِكَ الْعَجُوز وَمَنْ قَارَبْتهَا فِي السِّنّ إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الْأَسْنَان , لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْجَة اللَّطِيفَة بَيْن الْأَسْنَان تَكُون لِلْبَنَاتِ الصِّغَار , فَإِذَا عَجَزَتْ الْمَرْأَة كَبُرَتْ سِنّهَا فَتَبْرُدهَا بِالْمِبْرَدِ لِتَصِيرَ لَطِيفَة حَسَنَة الْمَنْظَر , وَتُوهِم كَوْنهَا صَغِيرَة , وَيُقَال لَهُ أَيْضًا الْوَشْر , وَمِنْهُ: (لَعْن الْوَاشِرَة وَالْمُسْتَوْشِرَة) , وَهَذَا الْفِعْل حَرَام عَلَى الْفَاعِلَة وَالْمَفْعُول بِهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيث , وَلِأَنَّهُ تَغْيِير لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى , وَلِأَنَّهُ تَزْوِير وَلِأَنَّهُ تَدْلِيس.
وَأَمَّا قَوْله: (الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ) فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْحَرَام هُوَ الْمَفْعُول لِطَلَبِ الْحُسْن , أَمَّا لَوْ اِحْتَاجَتْ إِلَيْهِ لِعِلاجٍ أَوْ عَيْب فِي السِّنّ وَنَحْوه فَلا بَأْس، وَاللَّه أَعْلَم " انتهى.
وهذه الروايات تدل على أن الأمور المذكورة من الوشم والنمص والتفلج من تغيير خلق الله.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: " قَوْله: (الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه) هِيَ صِفَة لَازِمَة لِمَنْ يَصْنَع الْوَشْم وَالنَّمْص وَالْفَلْج وَكَذَا الْوَصْل (أي: وصل الشعر بشعر آخر) عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَات " انتهى.
والحديث دال على تحريم النمص ولعن فاعلته، فيجب الإذعان لذلك، سواء علمت العلة من التحريم أو لم تعلم.
وقد اختُلف في هذه العلة على أقوال.
قال القرطبي رحمه الله: " وهذه الأمور كلها قد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر، واختلف في المعنى الذي نهى لأجلها، فقيل: لأنها من باب التدليس، وقيل: من باب تغيير خلق الله تعالى كما قال ابن مسعود، وهو أصح، وهو يتضمن المعنى الأول، ثم قيل: هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقياً؛ لأنه من باب تغيير خلق الله تعالى، فأما مالا يكون باقياً كالكحل والتزين به للنساء فقد أجاز العلماء ذلك " انتهى من " تفسير القرطبي " (٥/٣٩٣) .
وفي كلام القرطبي رحمه الله إشارة إلى ضابط ما يكون تغييرا لخلق الله، وأنه التغيير الذي يبقى ويدوم، وهذا ضابط حسن، يحصل به التوفيق بين الأمور المحرمة الواردة في الحديث، وبين الأمور المباحة التي لم يقل أحد بتحريمها كالكحل والحناء، لكن يرد هنا ما أشرت إليه في سؤالك وهو أن نمص الشعر لا يدوم، بل يخلفه مثله.
والجواب عن ذلك: أن الشعر الذي ينبت ينبت بعد مدة ليست بالقصيرة فيكون في حكم الشيء الدائم، ولأن النامصة كلما خرج شعرها أزالته، فيبقى النمص شيمتها غالبا، فيكون دائما أو حكم الدائم.
ثانياً:
يدخل في دائرة المباح أنواع:
١- ما كان للعلاج وإزالة الداء، لما روى أبو داود (٤٢٣٢) والترمذي (١٧٧٠) والنسائي (٥١٦١) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ (أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ [فضة] فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أبو داود (٤١٧٠) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ دَاءٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (٣٩٤٥) عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ دَاءٍ) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
قال الشوكاني رحمه الله: " قوله: (إلا من داء) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين لا لداء وعلة، فإنه ليس بمحرم " انتهى من "نيل الأوطار" (٦/٢٢٩) .
٢- ما كان لإزالة عيب طارئ، ويدخل في ذلك إزالة الكلف، وحبة الخال ونحوها؛ لأن هذا رد لما خلق الله وليس تغييرا لخلق الله.
قال ابن الجوزي رحمه الله: " وأما الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج فلا أرى بها بأسا ".
ومن ذلك استعمال الكريمات لتنعيم الجلد، فهو رد للأصل.
٣- ما كان زينة طارئة لا تبقى ولا تغير أصل الخلقة، كالكحل والحناء وتحمير الوجه والشفة، وقد كان الكحل والحناء شائعين معروفين بين النساء زمن النبوة، وكذلك استعمال الزعفران ونحوه من الألوان التي تخالط طيب النساء. ولهذا لا حرج في استعمال مستحضرات التجميل إذا خلت من الضرر.
وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أنه تزوج وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة) رواه البخاري (٥١٥٣) ومسلم (١٤٢٧) .
وحمل العلماء ذلك على أن الصفرة أصابته من امرأته؛ لما ثبت من نهي الرجل عن التزعفر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب