يحب أن يتحدث بنعمة الله عليه، ويخاف من الحسد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضل الله علي أنه أكرمني بالكثير من الأمور الممتازة في حياتي من التوفيق في عملي وديني وحياتي بشكل عام , وكثير من الأحيان أشعر برغبة بالتحدث عن ما يحدث معي من أمور جيدة، وميسرة بفضل الله للأصدقاء، ولكني أخاف الحسد، خصوصا أن الكثير منهم في ظل الظروف الحالية أوضاعهم ليست بالجيدة , لذلك أنا أخاف أن يحسدني أحدهم، وآسف لقول ذلك، ولكنها حقيقة ثابتة في شرعنا الحنيف، هل هذا يعتبر ضعف إيمان؟ وماذا إن نسيت في صباح ما، أو مساء ما، أن أقرأ الأذكار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليعلم أن التحدث بنعمة الله هو من حقوق هذه النعمة عليك، ومن الإقرار بالجميل للمنعم سبحانه.
قال الله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى / ١١
عن أبى نضرة قال: " كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها " انتهى.
"تفسير الطبري" (٢٤ / ٤٨٩) .
قال ابن القيم رحمه الله:
" والفرق بين التحدث بنعم الله والفخر بها: أن المتحدث بالنعمة مخبر عن صفات مُولِيها، ومحض جوده وإحسانه؛ فهو مُثْنٍ عليه بإظهارها والتحدث بها، شاكرا له، ناشرا لجميع ما أولاه، مقصوده بذلك إظهار صفات الله، ومدحه والثناء [عليه] ، وبعث النفس على الطلب منه دون غيره، وعلى محبته ورجائه، فيكون راغبا إلى الله بإظهار نعمه ونشرها والتحدث بها.
وأما الفخر بالنعم: فهو أن يستطيل بها على الناس، ويريهم أنه أعز منهم وأكبر، فيركب أعناقهم، ويستعبد قلوبهم، ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة.
قال النعمان بن بشير: إن للشيطان مصالي وفخوخا، وإن من مصاليه وفخوخه: البطش بنعم الله، والكبر على عباد الله، والفخر بعطية الله في غير ذات الله ".
"الروح" (٣١٢) .
قال ابن الأثير: " المَصالي: شَبيهةٌ بالشَّرَك، واحِدتُها مُصْلاة، أراد ما يُسْتَفزُّ به الناس من زِينَة الدُّنيا وشهواتِها ".
"النهاية في غريب الحديث" (٣/٩٥) .
ثانيا:
الثناء بنعمة الله الخاصة على عبد من عباده، وإن كان أمرا محمودا، إلا أنه إذا خشيت من ورائه مفسدة، من حسد أو غل أو نحو ذلك، فإنه يعدل عن ذكر النعمة الخاصة، إلى الثناء على الله بما هو أهله من النعم العامة عليه وعلى غيره من الناس.
قال السعدي رحمه الله:
" وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية (فَحَدِّثْ) أي: أثن على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص٩٢٨) .
وقال المناوي رحمه الله، في شرحه لحديث (.. والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر) :
" هذا الخبر موضعه ما لم يترتب على التحدث بها ضرر كحسد، وإلا فالكتمان أولى " انتهى. "فيض القدير" (٣/٣٦٩) .
لكن ذلك حيث تدل القرينة عليه، وتقوى الأمارات على تلك الخشية، وإلا فالأصل حسن الظن بالمسلم، وتفويض الأمور إلى الله، والتوكل عليه في جلب الخيرات، ودفع المضرات.
والنصيحة لك أن تحصن نفسك بذكر الله، وقراءة الأوراد الشرعية، في الصباح والمساء، وأن تتحصن بالرقية الشرعية، لا سيما المعوذتين.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ: قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَصَبْتُ خُلْوَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ: (قُلْ) . فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (قُلْ) . قُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا تَعَوَّذَ النَّاسُ بِأَفْضَلَ مِنْهُمَا) .
رواه النسائي (٥٤٢٩) وصححه الألباني.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" التوقي من شرور الحاسد والعائن فإنه:
أولاً: بالتوكل على الله عز وجل وأن لا يلتفت الإنسان لهذه الأمور ولا يقدرها وليعرض عنها.
ثانياً: باستعمال الأوراد النافعة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإنها خير حامٍ للإنسان، مثل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في آية الكرسي أن (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطانٌ حتى يصبح) " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (١٣/٢٧٤-٢٧٥) .
ثالثا:
إذا نسيت قراءة أذكار الصباح أو المساء، في يوم ما، فبإمكانك أن تستدركها متى ذكرتها، فإن كان فات وقتها، وخرج أول النهار، أو أول الليل، فلا شيء عليك إن شاء الله، ويرجى أن تحصل بركتها بداومك عليها في عامة أحوالك، على أننا ننبهك إلى أن الرقية الشرعية ليست خاصة بأذكار الصباح والمساء، بل هي في أي وقت، وننبهك أيضا إلى أنه بإمكانك أن تعوض ما فاتك بكثير من الأذكار والتسابيح، وتلاوة القرآن، وهو كله غير مقيد بوقت صباح ولا مساء.
وننصحك بمراجعة كتاب: الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم، وفقه الأدعية والأذكار، للشيخ عبد الرزاق العباد.
وينظر: إجابة السؤال رقم: (١٠٥٤٧١) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب