العمل في بناء أو دهن بيت لكاهن أو ساحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في بناء أو دهن منزل كاهن أو ساحر سواء سيسكنه أو سيستأجره وسأتقاضى الأجر منه هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا المنزل سيتخذه الساحر أو الكاهن لممارسة السحر والكهانة، فلا يجوز بيعه له، ولا تأجيره عليه، ولا يجوز العمل في بنائه أو دهنه، لأنه محل أقيم للمعصية، فلا يعان عليه بوجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/٢، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر، وذم الساكت والمقر له، فكيف بالمعين عليه!
قال ابن قدامة: " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال: " وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك. فهذا حرام , والعقد باطل. انتهى من "المغني" (٤/١٥٤) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك، كمذهب أحمد وغيره , أو ظنّ، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (٥/٣٨٨) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (٣/٦٠٧) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبده المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية، قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع , وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر استئجارها لهذا الغرض المحرم أو لم يشترط، ولكنه علم بالقرائن أن سيستعملها في ذلك المحرم. " انتهى بتصرف.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (٨/٢٢٨) : " لما كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أجل معلوم , اشتُرط في المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع , وهو أن لا يمنع من الانتفاع بها مانع شرعي , بأن تكون محرمة كالخمر وآلات اللهو ولحم الخنزير. فلا يجوز عند جمهور الفقهاء إجارة البيت لغرض غير مشروع , كأن يتخذه المستأجر مكانا لشرب الخمر أو لعب القمار , أو أن يتخذه كنيسة أو معبدا وثنيا. ويحرم حينئذ أخذ الأجرة كما يحرم إعطاؤها , وذلك لما فيه من الإعانة على المعصية " انتهى.
وأما إن كان الساحر سيتخذه للسكنى، وعلمتَ بالتصريح أو بالقرائن أنه لا يتخذه مقرا لعمل السحر والباطل، فيجوز بناؤه ودهنه، وإن كان الأولى هو البعد عن ذلك؛ لأن الساحر ينبغي هجره وزجره ووقوف المجتمع في وجهه حتى يتوب من فعله المحرم.
وقد تبين بهذا الفرق بين الدار التي تُتّخذ للمعصية، وبين التي تتخذ للسكنى، وإن كان سيسكنها العاصي أو الكافر، فإنه لا يمنع الإنسان من بناء بيتٍ لكافر أو عاص.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب