عليه دين لشخص فهل يذهب للجهاد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الشخص لا يملك مالاً للسفر للجهاد وعليه ديون لمسلم آخر، فهل لا يزال الجهاد فرضاً عليه؟
إذا حصل هذا الشخص على بعض المال وكان الجهاد ضرورة في ذلك الوقت فهل يجب عليه أن يسدد القرض أولاً أم يذهب للجهاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الجهاد فرض عين في حالة من الحالات المعروفة، فمن عليه دين يخرج للجهاد ولا يجب عليه أن يستأذن صاحب الدَّين.
وإذا كان الجهاد فرض كفاية كجهاد طلب الأعداء فإنه لا يجوز الخروج إلا بإذن صاحب الدَّين، فإن أَذِن له خرج، وإن لم يأذن لم يخرج، إلا إن ترك وفاء لدينه أو وثقة بِرَهْن أو أقام ضامناً فلا يلزم إذن المدين.
ولمعرفة حكم الجهاد ومتى يكون فرض عين، ومتى يكون فرض كفاية يراجع السؤال رقم (٣٤٨٣٠)
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (١٣/٢٨) : " وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ , لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْغَزْوِ إلا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ , إلا أَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً , أَوْ يُقِيمَ بِهِ كَفِيلا , أَوْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. . .
ودليل ذلك أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا , تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: نَعَمْ , إلا الدَّيْنَ , فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ولأَنَّ الْجِهَادَ تُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ الَّتِي تَفُوتُ بِهَا النَّفْسُ، فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا.
وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ , فَلا إذْنَ لِغَرِيمِهِ ; لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ , فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ , كَسَائِرِ فُرُوضِ الأَعْيَانِ. . .
وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً , أَوْ أَقَامَ كَفِيلا , فَلَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِيمَنْ تَرَكَ وَفَاءً , لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ أَبَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَرَجَ إلَى أُحُدٍ , وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ , فَاسْتُشْهِدَ , وَقَضَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ , وَلَمْ يَذُمَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يُنْكِرْ فِعْلَهُ , بَلْ مَدَحَهُ , وَقَالَ: (مَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا , حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ) . وَقَالَ لابْنِهِ جَابِرٌ: أَشَعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاك , وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا! " اهـ. بتصرف واختصار
وجاء في الموسوعة الفقهية (١٦/١٣٥) :
" وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لا إذْنَ لِغَرِيمِهِ " اهـ.
ثانياً:
وأما إذا كان المدين معه من المال ما يفي بالدين، فهل يقدم الخروج للجهاد، أو وفاء الدين.
فجواب ذلك: إذا كان الجهاد فرض كفاية فإنه يقدم وفاء الدين.
وأما إذا كان الجهاد فرض عين فله حالان:
١- إذا تعيّن الجهاد لكونه حضر الصف، أو حصر العدو بلده فإنه يقدم الجهاد.
٢- إذا تعين الجهاد لكون الإمام طلب منه الخروج للجهاد فإنه يقدم وفاء الدين.
قال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص ٣٠٨) :
" سُئِلْت عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَا يُوفِيه وَقَدْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ، فَقُلْت:
مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ , وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ , فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ اسْتِنْفَارٌ (يعني طلب الخروج للجهاد من الإمام) فَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَوْلَى، إذْ الإِمَامُ لا يَنْبَغِي لَهُ اسْتِنْفَارُ الْمَدِينِ مَعَ الاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قُلْت: لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ،.....
وَقُلْت أَيْضًا: إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ يُجَاهِدُونَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفُونَهُ فَالْوَاجِبُ وَفَاؤُهُمْ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ: الْوَفَاءِ وَالْجِهَادِ. وَنُصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ تُوَافِقُ مَا كَتَبْتُهُ " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب