للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تحب ابن عمها وأبوها يرفض تزويجها له لأنه متزوج

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا فتاة ابلغ من العمر ١٦ سنة أوقفت تعليمي وقعدت بالبيت لأتعلم وظائف البيت والزوج من والدتي لمستقبلي وهذا كان بإرادتي وليس إجباريّاً. لي ابن عم يبلغ الـ ٣٢ سنة متزوج، يملك حسن الأخلاق والدين ووسيم وماديته عالية , وأنا أحبه لدرجة الجنون ولكني لم أبح لأحد عن حبي له، ابن عمي أراد زواج الثانية , ومن حظي اختارني أنا من بين كل البنات , وفقط حينها عرف عن حبي وأنا قلت للجميع إنني أحبه وموافقة على نفسي أن أكون له زوجة ثانية , وفعلا أتى وطلبني من أبي، ولكن أبي رفضه وقال لي: لن أزوجكِ لرجل متزوج، أنت ما زلت صغيرة ولا تعرفين مصلحتك. ابن عمي لم يستسلم وما زال مصرّاً على الزواج مني، ولكنه لم يعد يدخل بيتنا كالماضي , حرصاً من الكلام الزائد ولعدم إحراجي وإحراج الجميع , ولكنه يأتي عادة إلى ساحة بيوت العائلة ويقعد في الديوان مع جدي وأعمامي , والجدير بالذكر أني أراه كل يوم ولكنه لم يكلمني أبداً. أنا ملتزمة بالدين وأعلم أن كل إنسان بالغ عاقل مسؤول عن أعماله ويحاسب عليها أمام ربه , وليس من حق أبي أن يحرم ما الذي أحله الله " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". أرجو منكم الإجابة، والنصيحة منكم، ماذا أفعل بدون معصية أبي، وحتى ابن عمي ماذا يفعل؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

شرع الله تعالى أحكامه وفيها الحكمة البالغة، ومن ذلك: أن جعل موافقة الولي شرطاً من شروط صحة النكاح، ولم يجعل الأمر للمرأة تزوج نفسها دونه.

وقد تجد بعض النساء في ذلك غضاضة وخاصة إذا كانت صغيرة أو جاهلة بأحكام وحِكَم الشرع المطهَّر، لكن سرعان ما يتبيَّن للجميع أن ما شرعه الله تعالى هو غاية الحكمة، وذلك – مثلاً – عندما تكبر هذه المرأة وتتزوج ويكون لها بنات وتصل إحدى بناتها إلى سن الزواج، فهل ترضى هذه الأم لابنتها أن تختار مَن تشاء مِن الرجال لتتزوجه من غير رضا والديها؟ إن المؤمنات العاقلات ليعلمن أن هذا لو كان موجوداً لكان انتشر بسببه الفساد والانحلال في المجتمعات، وحاشا أن يكون هذا في شرع الله.

وكل من يفكِّر بعاطفته فهو يفكر بعقل ناقص، ولذلك وجبت موافقة الولي؛ لأنه أقدر على التحري ومعرفة الصواب وتقييم الرجال من المرأة، وكم تندمت نساء أن تزوجن برجال من غير موافقة أهلهن، وكم من بيوت تهدمت جراء التعدي على حكم الله في هذا الباب.

وفي الوقت نفسه: لم تُجِز الشريعة للأولياء التحكم التعسفي ببناتهم، وقد حرَّم الله تعالى عليهم عضل بناتهم ومنعهن من التزوج، لكن هذا التحريم هو في حال تقدم الكفء والموثوق في دينه وخلقه، أما إن جاء من ليس كذلك ورفضه الأب، فهو مأجور على رفضه، ولو مكثت المرأة حياتها كلها من غير زواج.

وليس للأب أن يجبر ابنته على من لا ترغب بنكاحه، وإذا فعل الأب ذلك كان آثماً، وللمرأة أن تطالب بفسخ النكاح إن أثبتت ذلك الإجبار.

سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:

تعلمون - حفظكم الله - أن النساء ناقصات عقل ودين، وهنا تعرض مسألة وهي أن المرأة إذا اختارت رجلا غير صالح، وكان الرجل الذي اختاره والدها رجلا صالحا، فهل يؤخذ برأيها أم تجبر على من أن أراد والدها؟ .

فأجاب:

أما جبرها على من أراد والدها: فإنه لا يجوز حتى وإن كان صالحا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر "، وفي لفظ لمسلم: " والبكر يستأذنها أبوها في نفسها ".

وأما تزوجيها بمن لا يرضى دينه ولا خلقه: فلا يجوز أيضا، وعلى وليها أن يمنعها وأن يقول لا أزوجك من هذا الرجل الذي تريدينه إذا كان غير صالح.

فإن قال قائل: لو أصرت المرأة على أن لا تتزوج إلا هذا الرجل.

فالجواب: أنا لا نزوجها به وليس علينا من إثمها شيء، نعم لو أن الإنسان خاف مفسدة وهو أن يحصل بينها وبين هذا الخاطب فتنة تنافي العفة، وليس في الرجل شي يمنع من تزويجها به شرعا، فهنا نزوجها به درءاً للمفسدة.

" مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة " (ص ٤٢) .

ثانياً:

يجب على الأب أن يحسن اختيار الزوج الصالح لابنته، ويجوز له أن يرد الخاطب لكونه متزوجاً، حتى لو كان قادراً على العدل؛ وهذا الأمر ليس فيه ما يوجب الإثم على الولي؛ لأن للولي أن يشترط على الزوج أن لا يتزوج على ابنته، فهو شرط مباح – على الصحيح؛ وبخاصة أن القليل ممن يعدِّد ليس عنده من المقومات ما تقوم به بيوته على العدل والمحبة وحسن التربية، وقد جاء في سنن النسائي (٣٢٢١) أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خطبا فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها صغيرة "، فخطبها عليٌّ فزوَّجها منه.

وبه يعرف أنه يمكن رد صاحب الخلق والدين إن كان يرى الولي أن ابنته لا تناسبه، أو أنه لا يستطيع العدل بينها وبين زوجاته، والمحذور هو رد صاحب الخلق والدين والقبول بالفسقة أزواجاً لمن ولاهم الله تعالى أمرهن.

وليس لكِ أن تخالفي شرع الله تعالى في التزوج بغير ولي، وهو نكاح باطل إن حصل، كما لا يجوز لك أن تحادثي أو تراسلي ابن عمك، ولا يجوز ك النظر إليه؛ لأنه أجنبي عنكِ، ولا يجوز لك أن تخبري الناس بحبك له – أو لغيره من الأجانب – فهذا مما يعيب المرأة ويحرم عليها، فاكتمي ذلك إلى أن ييسر الله لك ابن عمك زوجاً أو يبدلك الله تعالى خيراً منه.

وقد تعجبنا من وصفكِ نفسك في آخر السؤال أنك " ملتزمة بالدين " وقولك في أول السؤال أنك تحبينه لدرجة الجنون! والواقع من الملتزمين والملتزمات ليس هذا، فقد يحب الرجل امرأة والعكس، لكن لا يصل الحب لهذه الدرجة إلا ممن نقص إيمانه، وسفه عقله؛ ولا ينبغي أن يتعدى هذا الأمر درجة الإعجاب والرغبة في النكاح، فإن حصل فخير، وإلا فلا يجوز أن ينشغل الطرفان بهذا الأمر حتى يغطي على العقل والتفكير السليم، والقصص المؤلمة في الحب الجنوني كثيرة أدت بأصحابها إلى جنون العقل، أو الوقوع في الفاحشة، أو ترك الدين لأجل الدخول في دين معشوقته، ونحن نربأُ بك عن هذا كله.

فاصبري حتى يفرج الله الأمر، واستمعي لكلام أهلك، ولا تخالفيهم، وعليك بالإكثار من التزود بالإيمان والتقوى، وإعمار قلبكِ بالحب لله ولدينه وللطاعة، واسألي الله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً، وتذكري بأنه سيكون لك – إن شاء الله – بنات فلا ترضي لنفسك ما لا ترضينه لهم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>