قبول هدية الكافر في يوم عيده
[السُّؤَالُ]
ـ[جارتي أمريكية مسيحية....، هي وعائلتها قدموا لي هدايا بمناسبة الكريسمس، وأنا لا أستطيع رده هذه الهدايا، حتى لا تغضب مني!!
فهل لي أن أقبل هذه الهدايا، كما قبل الرسول عليه الصلاة والسلام هدايا الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل هو جواز قبول الهدية من الكافر، تأليفا لقلبه وترغيبا له في الإسلام، كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض الكفار، كهدية المقوقس وغيره.
وبوب البخاري في صحيحه: باب قبول الهدية من المشركين، قال رحمه الله: " وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام بِسَارَةَ فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أَعْطُوهَا آجَرَ، وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ " وذكر قصة اليهودية وإهداءها الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا:
يجوز للمسلم أن يهدي للكافر والمشرك، بقصد تأليفه، وترغيبه في الإسلام، لاسيما إذا كان قريبا أو جارا، وقد أهدى عمر رضي الله عنه لأخيه المشرك في مكة حلة (ثوبا) . رواه البخاري (٢٦١٩) .
لكن لا يجوز أن يهدي للكافر في يوم عيد من أعياده، لأن ذلك يعد إقرارا ومشاركة في الاحتفال بالعيد الباطل.
وإذا كانت الهدية مما يستعان به على الاحتفال كالطعام والشموع ونحو ذلك، كان الأمر أعظم تحريما، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كفر.
قال الزيلعي في "تبيين الحقائق" (حنفي) (٦/٢٢٨) : " (والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام بل كفر , وقال أبو حفص الكبير رحمه الله لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز , وأهدى لبعض المشركين بيضة، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر , وحبط عمله. وقال صاحب الجامع الأصغر: إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر , ولم يرد به التعظيم لذلك اليوم , ولكن ما اعتاده بعض الناس لا يكفر , ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة , ويفعله قبله أو بعده، كي لا يكون تشبها بأولئك القوم , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من تشبه بقوم فهو منهم} . وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا، لم يكن يشتريه قبل ذلك، إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه المشركون كفر , وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر " انتهى.
وقال في "التاج والإكليل" (مالكي) (٤/٣١٩) : " وكره ابن القاسم أن يهدي للنصراني في عيده مكافأة له، ونحوه إعطاء اليهودي ورق النخيل لعيده " انتهى.
وقال في "الإقناع" من كتب الحنابلة: " ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وبيعه لهم فيه، ومهاداتهم لعيدهم " انتهى.
بل ولا يجوز للمسلم أن يهدي للمسلم هدية لأجل هذا العيد، كما سبق في كلام الحنفية، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالِفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تقبل هديته، خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (١/٢٢٧) .
ثالثا:
أما قبول الهدية من الكافر في يوم عيده، فلا حرج فيه، ولا يعد ذلك مشاركة ولا إقرارا للاحتفال، بل تؤخذ على سبيل البر، وقصد التأليف والدعوة إلى الإسلام، وقد أباح الله تعالى البر والقسط مع الكافر الذي لم يقاتل المسلمين، فقال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/٨.
لكن البر والقسط لا يعني المودة والمحبة؛ إذ لا تجوز محبة الكافر ولا مودته، ولا اتخاذه صديقا أو صاحبا، لقوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/٢٢، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقّ) الممتحنة/١، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/١١٨
وقال عز وجل: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) هود/١١٣
وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/٥١، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تحريم مصادقة الكافر أو مودته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فقد قدمنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بهدية النيروز فقبلها.
وروى ابن أبي شيبة.. أن امرأة سألت عائشة قالت إن لنا أظآرا [جمع ظئر، وهي المرضع] من المجوس، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا فقالت: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم.
و.. عن أبي برزة أنه كان له سكان مجوس فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان، فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه.
فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء؛ لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم ... ".
ثم نبه رحمه الله على أن ذبيحة الكتابي وإن كانت حلالا إلا أن ما ذبحه لأجل عيده: لا يجوز أكله. قال رحمه الله: " وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم، بابتياعٍ أو هديةٍ أو غير ذلك مما لم يذبحوه للعيد. فأما ذبائح المجوس فالحكم فيها معلوم فإنها حرام عند العامة، وأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم وما يتقربون بذبحه إلى غير الله نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة، فعن أحمد فيها روايتان أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله وإن لم يسم عليه غير الله تعالى، ونقل النهي عن ذلك عن عائشة وعبد الله بن عمر ... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (١/٢٥١) .
والحاصل أنه يجوز لك قبول الهدية من جارتك النصرانية، في يوم عيدهم، بشروط:
الأول: ألا تكون هذه الهدية من ذبيحةٍ ذبحت لأجل العيد.
الثاني: ألا تكون مما يستعان به على التشبه بهم في يوم عيدهم، كالشمع، والبيض، والجريد، ونحو ذلك.
الثالث: أن يصحب ذلك شرح وتوضيح لعقيدة الولاء والبراء لأبنائك، حتى لا ينغرس في قلوبهم حب هذا العيد، أو التعلق بالمُهدي.
الرابع: أن يكون قبول الهدية بقصد تأليفها ودعوتها للإسلام، لا مجاملة أو محبة ومودة.
وفي حال كون الهدية مما لا يجوز قبولها، فإنه ينبغي أن يصحب رفضها توضيح وبيان لسبب الرفض، كأن يقال: إنما رفضنا هديتك لأنها ذبيحة ذبحت لأجل العيد، وهذا لا يحل لنا أكله، أو أن هذه الأمور إنما يقبلها من يشارك في الاحتفال، ونحن لا نحتفل بهذا العيد؛ لأنه غير مشروع في ديننا، ويتضمن اعتقادا لا يصح عندنا، ونحو ذلك، مما هو مدخل لدعوتهم إلى الإسلام، وبيان خطر الكفر الذي هم عليه.
والمسلم يجب أن يكون معتزا بدينه، مطبقا لأحكامه، لا يتنازل عنها حياء أو مجاملة لأحد، فإن الله أحق أن يُستحيى منه.
وراجعي السؤال رقم (٩٤٧) ورقم (١٣٦٤٢) لمزيد الفائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب