ـ[أنا موظف في شركة نفط وطنية ومازلت موظفاً بها أتقاضى راتباً منها، وقد حصلت في العام الماضي على عمل مع شركة أوروبية تعمل في التنقيب عن النفط. يوجد في عقد العمل في كل من الشركتين فقرة تنص على: إخطار الشركة في حال العمل مع الغير، في عقد إحدى الشركتين وفقرة تنص: ألا يلتحق بخدمة رب عمل آخر أثناء استخدامه لدى الطرف الأول في عقد الشركة الأخرى، فضيلة الشيخ أعلم أنني مذنب في التحايل على الشركتين، ولكن الذي جعلني أقوم بهذا هو حوافز ومرتب الشركة الأجنبية أكثر بكثير من مرتب الشركة الوطنية ملاحظة: بعض مسئولي ومن ضمنهم مدير إدارتي يعلم أني أعمل عملاً خاصاً خارج الشركة ولكن لا يعلمون أنني موقع عقد مع شركة أخرى، أما بالنسبة للشركة الأجنبية لا تعلم عن عملي في الشركة الوطنية: الفقرة الثانية من المسألة لدينا هنا في بلدنا شهر من كل عام نلتحق به في المؤسسة العسكرية وهو ما يسمى بشهر الاحتياط بعد إتمام التدريب الإلزامي حيث تقوم الشركة بدفع قيمة مرتب هذا الشهر حسب القانون عندنا، وقد خصص لي شهر من كل عام ولكن في العام الماضي ادعيت للشركة الأجنبية أنني شهر احتياط في شهر آخر غير الشهر المخصص لي بدون أن ألتحق بالمؤسسة العسكرية وقد قبضت مرتب في هذا الشهر وفي شهر المخصص لي فعلياً لم ألتحق بالمؤسسة العسكرية والتحقت بالشركة الأجنبية بهذا أكون اشتغلت الشهر الذي كان علي عمله سابقاً ولكن الشركة لا يوجد لديها علم بالموضوع الأسئلة * ما هي الفتوى في مرتبات الفترة الماضية مع كل من الشركتين في الفقرة الأولى من المسألة حيث أني قد صرفت جزءً منها في ضمن تكاليف زواجي وأقرضت منها لأقاربي وذلك لإعانتهم أحدهم لشراء سيارة ليعمل عليها والآخر للزواج؟ * إذا كانت المرتبات السابقة حلالاً هل المرتب في المسألة الثانية حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الموظف الذي يتقاضي راتبا مقابل عمله ساعات معينة يعتبر أجيرا خاصا في اصطلاح الفقهاء، وهو من كان نفعه مقدرا بالزمن، وليس لهذا الأجير أن يعمل في ساعات العمل لغير من استأجره، لكن له أن يعمل خارج هذا الوقت. فمن كان دوامه ثمان ساعات يوميا مثلا، ليس له أن يعمل خلال هذه الساعات لحساب أي جهة أخرى غير رب العمل، وله أن يعمل ما شاء خارج هذه الساعات، ولا يجوز أن يحجر عليه في ذلك، وإن شُرط عليه في العقد ألا يعمل، فهو شرط فاسد لا يلزمه الوفاء به؛ لأنه ينافي مقتضى حرية الإنسان وملكه لمنافعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في قصة بريرة:(خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رواه البخاري (٢١٦٨) ومسلم (١٥٠٤) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم موافقتها على الشرط ملزما لها بالوفاء، لأنه شرط باطل.
وهذا ما لم يؤد العمل الثاني إلى عجزه أو ضعفه عن أداء عمله الأول، فيلزمه حينئذ أن
يختار أحد العملين حتى يؤدي المطلوب منه على وجهه الصحيح، وإلا كان خائناً للأمانة، غاشاً لجهة العمل.
وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله: هل يجوز للعامل أن يعمل في يوم الجمعة مثلاً، أو في الليل، بعد أن انتهى من عمله مع كفيله؟ أم أن العقد يلزمه بعدم العمل؟
فأجاب:"لا مانع من عمله عند فراغه في الليل أو آخر كل نهار أو يوم الجمعة، بشرط أن لا يرهق نفسه إرهاقاً يُعجزه عن العمل اللازم له عند كفيله، أو يسبب له مللا يُقلل من إنتاجه، فإذا لم يكن كذلك: جاز أن يعمل ويتكسب، وله كسبه، ولا يحق للكفيل أن يمنعه من ذلك، كما لا يمنع الموظف الحكومي من العمل في منزله في بناء، أو سقي، أو حرث، أو إصلاح، أو شغل يدوي، أو شراء حاجة، أو حمل أو تنزيل، ويملك ما ينتجه من ذلك؛ لأنه تحصيله الذي حصل عليه من كد يمينه " انتهى من "فتاوى الحقوق" ص ٨٤ جمع خالد الجريسي.
والحاصل: أن هذا الشرط الذي تشرطه بعض جهات الأعمال شرط غير صحيح، ولا يلزم الوفاء به، لأن الموظف حر، لا يجوز الحجر على منافعه بغير مقتضى شرعي.
ثانياً:
قد أخطأت في تحايلك على الشركة لقبض راتب الشهر الذي تقضيه في المؤسسة العسكرية، والحال أنك لم تذهب إليها، وهذا الراتب لا تستحقه إلا بشرط الذهاب إلى المؤسسة العسكرية، فما دمت لم تذهب فهذا المرتب ليس من حقك، فالواجب عليك التوبة من ذلك، ورد المال إلى الشركة؛ وعليك أن تجد الوسيلة الملائمة للرد، فقد يكون ذلك بالمصارحة، وقد يكون بإيداع المال في حساب الشركة أو بغير ذلك من الوسائل.