للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تأمر الناس بالصلاة وهي لا تصلي إلا أمامهم فقط!

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا معلمة وأحرص على تعليم طالباتي الصلاة ولكني لا أصلي إلا أمام الناس مع يقيني بأهمية الصلاة وكذلك دائماً أقول للخادمة إذا دخل وقت الصلاة اتركي العمل، واذهبي صلِّي، وأنا لا أصلي! وأتكاسل فبماذا تنصحني]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا نستطيع توصيف حالتك بما يطابق واقعها، لكننا نأمل أن لا يستمر حالك كما هو الآن، ونرى أن عندكِ خيراً عظيماً، ولا بدَّ لك من تنميته واستثماره؛ لئلا تضيع حياتك فتلقي ربك تعالى ولم تصلحي من شأنك وحالك.

وخير ما ننصحك به في إهمالك للصلاة هو كتاب الله تعالى وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتنبهي لما سنذكره من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم لتعلمي عِظم الإثم الذي يلحقك ويثقل كاهلك.

واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، فكيف ترضين لنفسك أن تكوني في سلك أولئك الذين استحقوا غضب الله تعالى وسخطه؟ واحذري من تزيين الشيطان لفعلك بأن تركك للصلاة ليس جحوداً، إذ لا فرق بين من يتركها كسلاً أو يتركها جحوداً، فكلاهما تارك وجاحد، والجحود ليس بالقلب فقط، بل هو بالقلب والجوارح، وليس ترك الصلاة معصية يُستغفر من تركها ويُتاب من عدم أدائها، بل يلزم من تركها الدخول في الإسلام بالشهادتين، أو تجديد إسلامه بأداء الصلاة، ومن أذكار الصلاة الواجبة: الشهادتان.

سئل علماء اللجنة الدائمة:

الذي كان يصلي ثم يترك الصلاة لشهر أو شهرين أو أكثر، ثم يهديه الله تعالى إلى سبيل الهدى والحق- هل عليه القضاء أم لا؟ .

فأجابوا:

مَن ترك الصلاة لشهر، أو شهرين، أو أقل، أو أكثر: فعليه أن يجدد إسلامه، وأن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً، ويندم على ما فات؛ لأن ترك الصلاة بالكلية كفر أكبر، ويشرع له أن يكثر من نوافل الطاعات، والتضرع بين يدي الله سبحانه، لعل الله أن يعفو عنه، ويتجاوز عما سلف، وأن يقبل توبته، فالتوبة تجب ما قبلها، ولا يلزمه القضاء.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٥ / ٤٤) المجموعة الثانية.

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:

الصلاة ركن من أركان الإسلام، بل هي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المؤمن والكافر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبينَ الكُفرِ والشِّركِ: تركُ الصلاة) .

والمرأة التي لا تصلِّي: إن كانت لا ترى وجوب الصلاة عليها: فهي كافرة بإجماع أهل العلم، وإن كانت ترى وجوبها وتركتها تكاسُلاً: فإنها تكفر على الصحيح من قولي العلماء.

فعلى هذا لا يصحُّ للمسلم أن يتزوَّجها، وإذا كان قد تزوَّجها: فلا يجوز له إمساكها؛ لقوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/ ١٠، وقوله تعالى: (وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) البقرة/ ٢٢١.

" المنتقى من فتاوى الفوزان " (١ / ١٠٢، السؤال ٥٣) .

وقد تكلمنا على تارك الصلاة وحكمه في أجوبة عديدة، وبإمكانك الاطلاع على تفاصيلها في قسم تارك الصلاة، من التصنيف الموضوعي.

ثانياً:

قد وقعتِ في أمرٍ آخر جلل، وهو ترك العمل بما تنصحين به غيرك! وكان الواجب عليك الالتفات لنفسك لإنقاذها من النار، ومن سخط العزيز القهَّار.

قال الله تبارك وتعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/٤٤.

قال ابن كثير – رحمه الله –:

قال ابن جريج: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أهل الكتاب، والمنافقون، كانوا يأمرون الناس بالصوم، والصلاة، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس، فعيَّرهم الله بذلك، فمن أمر بخير: فليكن أشد الناس فيه مسارعة.

" تفسير ابن كثير " (١ / ٢٤٦) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان، والخير، (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العقل عقلاً؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره؛ وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمَن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصا إذا كان عالِماً بذلك، قد قامت عليه الحجة.

وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) ، وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره، ونهيه، وأمر نفسه، ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضاً فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قولُه فعلَه، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.

" تفسير السعدي " (ص ٥١) .

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ) .

رواه البخاري (٣٠٩٤) ومسلم (٢٩٨٩) .

(فتندلق) : تخرج وتنصب بسرعة، (أقتابه) : جمع قتب، وهي الأمعاء والأحشاء، (برحاه) : حجر الطاحون التي يديرها.

والذي نوصيك به هو الاستمرار بنصح الناس في أمر الصلاة، مع الاهتمام بإقامتها من قبَلك، وأدائها في وقتها، بصدق وإخلاص.

سئل علماء اللجنة الدائمة:

أضطر أحيانا إلى إمامة أهل قريتي، وأكثر الأحيان أخطب الجمعة من كتاب خطابة، ولي - والحمد لله - مكانة في قلوب الناس، ومع ذلك يتغلب عليَّ شيطاني وأتبع هوى نفسي، وأشعر بضيق عندما أرتكب أي معصية؛ لأنني أعرف الخطأ، ورغم ذلك أقع فيه، وآمر الناس بالبعد عن الخطيئة، وأنا أفعلها، وأنا أعرف جيِّداً قول الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) .

فأجابوا:

نوصيك بالاستمرار في وعظ أهل قريتك، والاستزادة من العلم الشرعي ما أمكنك ذلك، والبعد عن المعاصي، ومجاهدة النفس على ذلك، والحرص على أن يطابق قولُك عملَك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله سبحانه يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/ ٦٩، مع التوبة النصوح مما سبق.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٢ / ٢٦٩، ٢٧٠) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>