للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تفسير قوله تعالى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)

[السُّؤَالُ]

ـ[ما سبب نزول الآية في القرآن الكريم: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) حيث إن هناك من يعللها بأن شرب الخمر يجوز بعد الصلاة.. وأستغفر الله العظيم؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذه الآية تمثل مرحلة من مراحل التشريع الإسلامي في التدرج في تحريم الخمر، فكان التحريم فيها مؤقتاً بوقت الصلاة، وكانوا يشربونها في غير أوقات الصلاة، ثم نزل بعد ذلك التحريم النهائي والقطعي للخمر.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه وألفوه، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا، فنزل في شأنه أولا قوله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/٢١٩، فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه، حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه.

ثم نزل ثانيا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء/٤٣، فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات، وهي أوقات الصلوات.

ثم نزل ثالثا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) المائدة/٩٠-٩٢.

فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منها باتا في جميع الأوقات، بعد أن هيئت النفوس، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات" انتهى.

" تفسير القرآن "

http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_١٦٨٠٤.shtml

وقد دل على وقوع هذا التدرج في التشريع أحاديث كثيرة:

١- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) الْآيَةَ، قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ، فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُنَادِي: أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ. فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا) رواه أبو داود (٣٦٧٠) وصححه الألباني في صحيح أبو داود.

٢- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (حُرِّمَتْ الْخَمْرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ النَّسُ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، إِنَّمَا قَالَ: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) . وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ مِنْ الْأَيَّامِ صَلَّى رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَمَّ أَصْحَابَهُ فِي الْمَغْرِبِ خَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا آيَةً أَغْلَظَ مِنْهَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) ، وَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمْ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُفِيقٌ. ثُمَّ أُنْزِلَتْ آيَةٌ أَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَقَالُوا انْتَهَيْنَا رَبَّنَا) رواه أحمد في " المسند " (١٤/٢٦٧) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة.

وقد انعقد إجماع الأمة إجماعاً قطعياً على تحريم الخمر، وأن شربها من كبائر الذنوب، وأن شاربها تقام عليه العقوبة الشرعية في الدنيا وهي: الحد.

وعلى هذا، فالآية المسؤول عنها، هي مرحلة من مراحل تحريم شرب الخمر، وليست هي المرحلة النهائية التي استقر عليها الحكم.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>