هل يجوز أن يذبح شكرا لله على نعمة معينة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لإنسان قد اشترى سيارة أو داراً أن يذبح شكراً للَّه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إنعام الله على الناس كبير، وفضله وكرمه لهم جزيل وعظيم، والنعمة لا تقابل إلا بالشكر والتقدير، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بشكره، فهو سبحانه شكور يحب الشاكرين.
قال تعالى: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/١١٤.
وقال تعالى: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) العنكبوت/١٧.
ومِن شُكر الله تعالى التقرب إليه بأنواع العبادات والطاعات، والتحبب له بالحسنات الطيبات، من صلاة وزكاة وصيام ونحو ذلك.
ومن شكر الله أيضا شكره بالنسك وهو الذبح لوجه الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ) :
"والمقصود أن الصلاة والنسك هما أجلّ ما يُتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب؛ لأن فعل ذلك وهو الصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الكوثر والخير الكثير، فشكر المنعم عليه وعبادته أعظمها هاتان العبادتان، بل الصلاة نهاية العبادات وغاية الغايات، كأنه يقول إنا أعطيناك الكوثر والخير الكثير، وأنعمنا عليك بذلك لأجل قيامك لنا بهاتين العبادتين شكراً لإنعامنا عليك، وهما السبب لإنعامنا عليك بذلك، فقم لنا بهما، فإن الصلاة والنحر محفوفان بإنعامٍ قبلهما وإنعام بعدهما، وأجلُّ العبادات المالية النحر، وأجلُّ العبادات البدنية الصلاة، وما يجتمع للعبد فى الصلاة لا يجتمع له فى غيرها من سائر العبادات، كما عرفه أرباب القلوب الحية، وأصحاب الهمم العالية، وما يجتمع له فى نحره من إيثار الله وحسن الظن به وقوة اليقين والوثوق بما فى يد الله أمر عجيب إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فكان كثير الصلاة لربه، كثير النحر، حتى نحر بيده فى حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وكان ينحر فى الأعياد وغيرها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (١٦ / ٥٣٢) .
فإذا أنعم الله على العبد بنعمة جليلة – وكلُّ نِعَمِه سبحانه جليلة – فيستحب له أن يشكر الله عليها بأن يحسن إلى الناس، فيذبح ويطعم ويدعو إخوانه وأصحابه، ويتصدق على أهل الحاجة والمسكنة.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (٢٦ / ١٨٠، ١٨١) :
" يستحبّ تجديد الشّكر عند تجدّد النّعم لفظاً بالحمد والثّناء، ويكون الشّكر على ذلك أيضاً بفعل قربة من القرب، ومن ذلك أن يذبح ذبيحةً أو يصنع دعوةً، وقد ذكر الفقهاء الدّعوات الّتي تصنع لما يتجدّد من النّعم، كالوكيرة الّتي تصنع للمسكن المتجدّد، والنّقيعة الّتي تصنع لقدوم الغائب، والحِذَاق وهو ما يصنع عند ختم الصّبيّ القرآن.
ومذهب الحنابلة، وهو الرّاجح من مذهب الشّافعيّة، أنّ هذه الدّعوات مستحبّة.
قال ابن قدامة: وليس لهذه الدّعوات - يعني ما عدا وليمة العرس والعقيقة - فضيلة تختصّ بها، ولكن هي بمنزلة الدّعوة لغير سبب حادث، فإذا قصد بها فاعلها شكر نعمة الله عليه، وإطعام إخوانه، وبذل طعامه، فله أجر ذلك إن شاء الله " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا نجح أحد الأبناء في الدراسة، فهل يجوز لي أن أذبح ذبيحة احتفاءً بنجاح الابن، وشكراً لله عز وجل؟
فأجاب:
"لا بأس إذا نجح الأبناء أو أحدهم أن يصنع الإنسان وليمة يدعو إليها أحبابه وأصحاب ابنه، فرحاً بنعمة الله تبارك وتعالى، وتشجيعاً للابن وتنشيطاً له " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم ١٦١، السؤال رقم ١) .
ثانياً:
الواجب الحذر من بعض العقائد التي يؤمن بها كثير من الناس، فيقولون: إنه لا بد لحفظ البيت الجديد أو السيارة الجديدة من التقرب بالذبح وتلطيخه بدم المذبوح، وأن الأرواح الشريرة لا تنكفئ عنك إلا بذلك، وإلا فسرعان ما تزول النعمة، وهذا اعتقاد جاهلي، لا يصدر عمن يؤمن بالله ربا يملك النفع والضر، وبيده الخلق والأمر، ويعلم أنه لا يجوز التقرب بالنسك والعبادة إلا لوجه الله سبحانه وتعالى.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
عما اعتاده كثير من الناس أن الذبح على عتبة المنزل الجديد وقبل دخوله من أهم الأسباب لدفع العين، ولجعل البيت مباركاً، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة.
فأجابوا:
"إذا كانت هذه العادة – أي: الذبح عند عتبة البيت الجديد - من أجل إرضاء الجن وتجنب المآسي والأحداث الكريهة: فهي عادة محرمة، بل شرك، وهذا هو الظاهر من تقديم الذبح على النزول بالبيت، وجعله على العتبة على الخصوص.
وإن كان القصد من الذبح إكرام الجيران الجدد، والتعرف عليهم، وشكر الله على ما أنعم به من السكن الجديد، وإكرام الأقارب والأصدقاء بهذه المناسبة، وتعريفهم بهذا المسكن: فهذا خير يُحمد عليه فاعله، لكن ذلك إنما يكون عادة بعد نزول أهل البيت فيه لا قبل، ولا يكون ذبح الذبيحة أو الذبائ عند عتبة الباب أو مدخل البيت على الخصوص " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١ / ٢١٤) .
وانظر جواب السؤال رقم (٢٦٩٥٢) ففيه فتويان للشيخين عبد العزيز بن باز والعثيمين في الموضوع ذاته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب