للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم العمل بالبريد في بلاد الكفر في توزيع مجلات سيئة

[السُّؤَالُ]

ـ[أعيش في الدانمارك في أوروبا وأعمل في خدمة البريد هنا كساع للبريد مدة عام حتى الآن. وقد بدأت أشك في أن هذا الأمر حلال أم حرام لأننا نسلم مجلات ذات أفعال سيئة كما أننا نعطي معاملات تجارية لتلك المحلات التي تعمل في الحرام. وإنني حزين جدا لأنني لم أكن أعرف هذا من قبل فأنا والحمد لله أسعي دائما للطريق الصحيح. فهل يكون مالي حلال أم حرام؟ فإذا كان هذا حراما فماذا علي أن أفعل بما اكتسبته منهم من مال وماذا علي أن أفعل بما سوف أكسبه طوال الثلاثة أشهر القادمة التي سوف أضطر فيها للعمل معهم لإكمال مدة العقد. جزاكم الله خيرا.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

لا يجوز العمل في بيع أو شراء تلك المجلات السيئة، ولا التعاون على ذلك، أو الدعوة إليه، سواء كان ذلك بأجر، أو بغير أجر؛ لما تحويه تلك المجلات من المحرمات، كالصور الهابطة، والمقالات المخالفة لدين الله، والتي قد تكون مقالات إلحادية، ومشاركات كفرية، وخاصة في بلاد الكفر التي لا يدين أهلها دين الله، ولا يراعون لله حرمة، ولا يرجون لله وقارا.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

" الصحف التي بهذه المثابة: من نشر الصور الخليعة، أو سب الدعاة، أو التثبيط عن الدعوة، أو نشر المقالات الإلحادية، أو ما شابه ذلك: الصحف التي هذا شأنها يجب أن تقاطع، وأن لا تشترى، ويجب على الدولة إذا كانت إسلامية أن تمنعها؛ لأن هذه تضر المجتمع وتضر المسلمين، فالواجب على المسلم ألا يشتريها، وأن لا يروجها، وأن يدعو إلى تركها، ويرغب في عدم اقتنائها وعدم شرائها، وعلى المسؤولين الذي يستطيعون منعها أن يمنعوها، أو يوجهوها إلى الخير، حتى تدع الشر وتستقيم على الخير " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٨ / ١٧٦) .

ثانيا:

الواجب عليك التوبة من العمل في ذلك العمل، تلك الفترة التي قضيتها فيه، ولا يجوز لك بعد العلم بالتحريم أن تستمر في عملك هذا، ولا يجوز لك إكمال مدة العقد الباطل الذي عقدته معهم على هذا العمل المحرم، وأما حكم ما سبق منك من العمل من قبل أن تعلم بالتحريم، فنرجو أن يكون في محل العفو من الله تعالى. قال تعالى: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/٢٧٥.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان فوائد هذه الآية:

" ومنها: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم فهو حلال له بشرط أن يتوب وينتهي ".

"تفسير القرآن" (٥/٢٩٨) .

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن شخص يعمل في بنك ربوي، وقد تزوج منه راتبه من ذلك البنك، ويتعيش منه؟

فقال رحمه الله:

" لا يجوز العمل في مثل هذا البنك، لأن العمل فيه من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله سبحانه وتعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .

وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: (هم سواء) . رواه مسلم.

أما الرواتب التي قبضتها فهي حل لك إن كنت جاهلاً بالحكم الشرعي، لقول الله سبحانه:

(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) .

أما إن كنت عالماً بأن هذا العمل لا يجوز لك: فعليك أن تصرف مقابل ما قبضت من الرواتب في المشاريع الخيرية، ومواساة الفقراء، مع التوبة إلى الله سبحانه، ومن تاب إلى الله توبة نصوحاً قبل الله توبته وغفر سيئاته، كما قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) الآية.

وقال تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) " انتهى.

"فتاوى إسلامية" (٢/٨٧٤) .

ثالثا:

العقد الذي بينك وبينهم فيما بقي من هذه المدة: اجتهد في أن تتخلص منه بأي وسيلة تقدر عليها؛ فإن كان مسموحا لك بأن تستقيل: فقدم لهم استقالتك، وإن لم يكن ذلك مسموحا، فحاول أن تحصل على أي نوع من الإجازات، أو التعلل بظرف طارئ، أو نحو ذلك، ولو ترتب على ذلك خسارة مادية، أو غرامة مالية، فتحملها نظير تخلصك من هذا العمل المحرم.

واعلم أنه من اتقى الله يسر الله له أمره، وجعل له من كل ضيق وهم فرجا ومخرجا.

والله أعلم.

راجع إجابة السؤال رقم: (٨٩٧٣٧) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>