للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تريد دعوة رافضي للإسلام وتسأل عن " الوطنية " وعلاجها عنده

[السُّؤَالُ]

ـ[أعرف رجلاً إيرانيّاً شيعيّاً , وهو مستعد لأن يكون سنيّاً , وهو رجل وطني للغاية , وأنا أتساءل دائماً: هل هو مهتم بالإخوة الإسلامية كما هو مهتم بإخوانه المنتمين لبلده؟ وأنا أعتقد أن المسلم يجب أن تكون أولويته في الحب لإخوانه المسلمين أكثر من أي حب آخر , هذا فضلاً عن محبة الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وأريد أن أقول له ذلك الأمر إلا أنني أخشى أن أكون من الذين يقومون بعمل تفرقة بين الناس. أرجو بيان هذا الأمر , فهل اعتقادي صحيح أم لا؟ . إذا كان صحيحاً: أرجو من فضيلتكم بيان كيفية إخبار هذا الرجل بهذا الأمر , كيف أخبره أن محبة الإسلام والمسلمين أولى من محبة أبناء الوطن خصوصاً الشيعة؟ . وهل يجوز دفع الزكاة للشيعي - لأنهم ليسوا كلهم كفرة -؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

قبل الجواب لا بدَّ من تحذير وتنبيه الأخت السائلة من إثم وخطر علاقة المرأة بالرجال الأجانب، فالإسلام يحرِّم تلك العلاقات بين الطرفين إذا لم يربط بينهما رابط شرعي، وللشيطان طرقه في الإيقاع بعباد الله حتى من طريق الدعوة إلى الله؛ وذلك بتزيين مثل تلك العلاقة أنها نافعة للهداية إما للإسلام، أو للطاعة.

كما أن الرجل – ولدينا كثير من الحالات – يوهم المرأة أنه قريب من دينها، ومنهجها، وأنه لا تبعده عن ذلك إلا خطوات؛ من أجل أن يجد مجالاً للحديث معها، والإيقاع بها، وقد يُعلن في الظاهر أنه على دينها ومنهجها، ثم سرعان ما يتركها بعد أن يحقق مأربه.

وإنما نذكر هذا نصيحة وتحذيراً للمسلمات أن ينتبهن لأنفسهن، وأن يحذرن من تغليب العاطفة على الشرع، والعقل.

وفي حالتنا هذه: يمكن أن توكل مهمة دعوة ذلك الرافضي لرجل من أهل السنة، من أهلك، أو ممن يوثق به من أهل العلم والحكمة ممن هو قريب منكِ، ليتولى هو أمر دعوته والكلام معه، وإذا هداه الله ووفقه فيُكتب ذلك في ميزانك إن شاء الله.

فإن لم تجدي عندك من يقوم بهذه المهمة عنك، فدعيها له، وبإمكانه هو أن يستغل الخيط الذي ألقيتِ إليه طرفه، ويبحث عما ينفعه عند أهل العلم والدين، أو يراسل بنفسه المواقع المعنية بذلك لأهل السنة، إن كان حريصا على الهداية، وأما أنت فليس لك أن تغرري بنفسك ودينك، من أجل مصلحة موهومة مظنونة، قل أن تحصل في مثل ذلك الحال، وإن حصلت فحولها أضعافها من المفاسد لك ولغيرك، وإن سلمت حالة، هلكت عشرات الحالات، في مثل تلك العلاقات.

ثانياً:

قد أحسنتِ في قولك إن محبة الإسلام والمسلمين مقدَّمة على حب الوطن، وأبناء الوطن، فالوطنية مصطلح خبيث في أصله؛ إنما جاءنا من دول الكفر من أجل التفرقة بين أبناء الإسلام، فرابطة الإسلام أوسع وأوثق، فجاء المستعمر الخبيث فقسَّم الدول الإسلامية إلى دويلات، ثم ربط أبناء كل دولة بعضهم ببعض؛ ليقطع أواصر العلاقة الكبيرة المتينة بين أبناء الإسلام، فصارت الرابطة الوطنية، والتي تجمع أبناء البلد الواحد بغض النظر عن دينه ومنهجه وخلُقه، فنجح في ذلك – وللأسف – نجاحاً كبيراً، فصار الحب لأبناء الوطن مقدَّماً على الحب لأبناء الإسلام، وصار القتال في سبيل الوطن، لا في سبيل الله، ولا من أجل الإسلام، وها نحن نعيش أثر ذلك في أيامنا هذه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومما كذبه الكاذبون على نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما نسبوه إليه من قوله (حُبُّ الوَطَن من الإيمان) ! وهو حديث مكذوب لا أصل له. [ينظر: السلسلة الضعيفة، للشيخ الألباني، رحمه الله، رقم (٣٦) ] .

وما قلناه لا يعني منع حب الإنسان لبلده، ووطنه، بل هو شيء فطري لا انفكاك للإنسان منه، وإنما أردنا التحذير من أن تكون رابطة " الوطنية " هي المقدَّمة على رابطة " الإسلام " في الولاء، والمحبة، والنصرة، وأردنا التنبيه على أن المسلم الأعجمي الذي يعيش في أقصى الأرض أقرب وأحب إلينا من أبناء وطننا ممن ليس مسلماً، وإن كان من وطننا وبلدنا، بل وإن كان ابن أمنا وأبينا.

وأما الحب للأرض التي يولد فيها المسلم، أو يعيش: فهذا لا يُتنازع في أنه مشروع، لكن من قاتل دفاعاً عن وطنه فينبغي أن يكون ذلك دفاعاً عن الإسلام الذي في وطنه، لا عن الأرض مجرداً.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

" ونحن إذا قاتلنا من أجل الوطن: لم يكن هناك فرق بيننا وبين الكافر؛ لأنه أيضاً يقاتل من أجل وطنه، والذي يُقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط: ليس بشهيد.

ولكن الواجب علينا - ونحن مسلمون، وفي بلد إسلامي ولله الحمد ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك -: الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا.

انتبه للفرق! نقاتِل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، سواء كان في أقصى الشرق أو الغرب، فيجب أن تصحَّح هذه النقطة، فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، ندافع عن الإسلام الذي فيه.

أما مجرد الوطنية: فإنها نية باطلة، لا تفيد الإسلام شيئاً، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم، والإنسان الذي يقول إنه كافر إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن.

وما يُذكر من أن (حب الوطن من الإيمان) ، وأن ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكذب.

حب الوطن إن كان إسلاميّاً: فهذا تحبه لأنه إسلامي، ولا فرق بين وطنك الذي هو مسقط رأسك، أو الوطن البعيد عن بلاد المسلمين، كلها وطن إسلامي يجب أن نحميه.

على كل حال: يجب أن نعلم أن النية الصحيحة هي أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، لا لمجرد الوطنية.

أما قتال الدفاع: أي لو أحداً صال عليك في بيتك يريد أخذ مالك، أو أن ينتهك عرض أهلك مثلاً: فإنك تقاتله كما أمرك بذلك النبي عليه الصلاة والسلام.

فقد سئل عن الرجل يأتيه الإنسان ويقول له: أعطني مالك؟ قال: (لا تعطه) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (إن قتلك فأنت شهيد) ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (إن قتلتَه فهو في النار) ...

والحاصل: أنه لابد من تصحيح النية، ونرجو منكم أن تنبهوا على هذه المسألة؛ لأننا نرى في الجرائد، والصحف: " الوطن "، " الوطن "، " الوطن "، وليس فيها ذكر للإسلام، وهذا نقص عظيم، يجب أن توجَّه الأمة إلى النهج، والمسلك الصحيح، ونسأل الله لنا، ولكم التوفيق لما يحب ويرضى " انتهى مختصراً.

" شرح رياض الصالحين " (١ / ٦٥ – ٦٩) .

ثالثاً:

وأما بخصوص إيصال هذه الرسالة لذلك الرافضي: فنرى أن الرفض دين فاسد احتوى على مظاهر كثيرة من الشرك، والزندقة، والجاهلية، والبدع والخرافات، وليست هذه المسألة بالتي ستحول بين هداية ذلك الرافضي وبين الإسلام، فإن المطلوب منه أن يتخلى عن التعلق بالقبور، وأهلها، ومطلوب منه أن يُفرد الله تعالى بالتوحيد، وأن يعتقد بعدم تحريف القرآن، وأن يثبت إسلام الصحابة جميعهم، ويشهد لهم بالخير، وخاصة من ورد في فضله نصوص صحيحة، مطلوب منه عشرات الأصول، والسنن والعقائد، أن يعتقدها، ويعمل بها، على وفق ما جاء به كتاب الله، وهدت إليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن نبحث معه في التخلي عن الوطنية التي تذكرينها.

فإن تاب من بدع الرفض، وضلالاته، أوقفناه على حقيقة الولاء والبراء بين المسلمين، وأن المسلم لا يقدِّم محبة أحدٍ من أهله حتى لو كان أقرب الناس منه، ولا وطنه وبلده، ولا مالَه، على محبة الله ورسوله ودينه، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/ ٢٤، وبينا له: أن الإيمان الذي يقبله الله ليس في قلب صاحبه مودة لكافرٍ، ولو كان أقرب الناس منه، كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ ٢٢.

فهذا هو الواجب في دعوة هذا الرجل وأمثاله، على ألا يكون ذلك عن طريقك، كما نبهناك عليه في أول الجواب.

رابعاً:

أما بخصوص دفع الزكاة للشيعة – الرافضة -: فقد سبق تفصيل القول فيها في جواب السؤال رقم (١١٤٨) ، وفيه بيان عدم جواز ذلك.

وهذا من حيث الأصل، أما إن كان السؤال عن ذلك الشخص القريب من الإسلام: فيجوز إعطاء الزكاة لغير المسلم طمعاً في إسلامه، ويصدق عليه أنه من " المؤلَّفة قلوبهم "، وقد ذكرنا جواز ذلك في جواب السؤال رقم (٣٩٦٥٥) فلينظر.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>