أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية من السنة، على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح - أي بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ التلقيح - ولا يجوز قتله بأي حال من الأحوال إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم.
والخلاف بين الفقهاء في حكم الإجهاض في الفترة السابقة لنفخ الروح، أما بعد نفخ الروح فكل الفقهاء مجمعون على أن الجنين قد أصبح إنساناً ونفساً لها احترامها وكرامتها، وقد قال الله تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم ... ) الإسراء/٧٠، وقال سبحانه:(من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ... ) المائدة/٣٢.
وقد نقل الإجماع على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح الفقيه المالكي ابن جزي في قوانينه الفقهية حيث قال:" وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح فإنه قتل نفس إجماعاً " القوانين الفقهية/١٤١.
وكذلك ما جاء في نهاية المحتاج:" ... ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة، ثم إن تشكل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغرة " نهاية المحتاج/٨/٤٤٢.
ونص صاحب البحر الرائق على أن الجنين الذي ظهر بعض خلقه بأنه يعتبر ولد، وصاحب البناية يقول: (لا يجوز التعرض للجنين إذا استبان بعض خلقه، فإذا تميز عن العلقة والدم أصبح نفساً، ولا شك بأن حرمة النفس مصونة بالإجماع، وبنص القرآن الكريم.
وهكذا يتبين لنا أن الإجهاض بعد نفخ الروح، هو جريمة لا يجوز الإقدام عليها إلا في حالة الضرورة القصوى المتيقنة لا المتوهمة، وإذا ثبتت هذه الضرورة، وهي ما إذا كان بقاء الجنين خطراً على حياة الأم، علماً أنه مع تقدم الوسائل الطبية الحديثة، والإمكانيات العلمية المادية المتوفرة الآن، أصبح الإجهاض لإنقاذ حياة الأم أمراً نادر الحدوث جداً.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم عامر.