استعمال الرسم والتصوير في تعليم الطب
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في كلية الطب، وفيما يتعلق بدراستي فتواجهني بعض المشكلات وهي: ١/ تحتوي كتبي على صور للرجال والنساء، هل دراسة مثل هذه الصور تتعارض مع الحجاب؟ ٢/ يجب علينا في الاختبارات رسم أجزاء معينة من جسد الجنس البشري وليس كل الجسد، أعرف أن هنالك حديثا يقول بأن المصورين في النار، ولكنني لست متأكدا إن كان ذلك مسموحا لأغراض تعليمية؟ أرجو نصحي لأنني لا أريد أن أخالف الشريعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم في شريعتنا أن الأصل في الرسم والتصوير لذوات الأرواح هو المنع والتحريم، لما جاء في ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تنهى عنه وتحذر منه، وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في العديد من الإجابات، انظر منها جواب السؤال رقم (٧٢٢٢) .
ومن المعلوم في قواعد الفقه المتفق عليها أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحكم قد ينتقل من التحريم إلى الجواز إذا ترتب عليه تحقيق ضرورة من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها: الدين والنفس والبدن والعرض والمال.
ولما كان علم الطب من العلوم الضرورية التي يحتاج إليها الناس، حتى عده بعض العلماء من فروض الكفاية، ترتب على ذلك تجويزُ بعضِ ما الأصلُ فيه التحريمُ والمنعُ لتحقيق هذه الفريضة الكفائية.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (١/٢٢٣) :
" وأما العلوم العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب " انتهى.
بل نقل موفق الدين البغدادي في كتابه "الطب من الكتاب والسنة" (١٨٧) عن الإمام الشافعي أنه قال:
" لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب " انتهى.
والطبيب – وإن كان لا يعالج النساء إلا لحاجة – فهو معرض لعلاج كلا الجنسين، فقد لا تتيسر المرأة الطبيبة في التخصص المعين أو البلد المعين، كما أن علم الطب يعتمد أساسا على فهم طبيعة تركيب الجسم البشري، وخصائص الأعضاء، وتفصيلات الوظائف الحيوية لكل منها، وبقدر ما يتحقق فهم ذلك يتحسن أداء علم الطب البشري، وينجح في تخليص الناس من الآفات والأمراض.
ولذلك لا حرج على الطبيب من دراسة الرسومات التي تبين تشريح بدن الإنسان، سواء كان ذلك للرجال أو النساء، كما لا حرج إن شاء الله من استخدام الرسم في امتحان طلبة الطب والعلوم الحياتية، كي يساعد ذلك على الفهم الدقيق ومعرفة مستوى إتقان الطالب لهذا العلم المهم.
وقد جاء في شريعتنا جواز مداواة النساء للرجال إذا وجدت الضرورة.
فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَسقِي وَنُدَاوِي الجَرحَى وَنَرُدُّ القَتلَى إِلَى المَدِينَةِ) رواه البخاري (٢٨٨٢) .
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث في "فتح الباري" (٦/٥٢) :
" فيه جواز معالجة المرأة الأجنبية للرجل الأجنبي للضرورة " انتهى.
كما جاء في شريعتنا ما يدل على جواز تصوير الصور والتماثيل للعب الأطفال، لما يحتاجه الصغار من لهو ولعب وتعليم وتأديب. وانظر جواب السؤال رقم (٩٤٧٣) .
كما جاء في فتاوى العلماء ما يدل على جواز التصوير للحاجة من إخراج صور لمعرفة "هوية" الشخص ونحو ذلك، انظر جواب السؤال: (٣٤٩٠٤) ، (٣٩٨٠٦)
وأما تصوير ورسم أجزاء من الجسم منفصلة، كالرأس أو الصدر، فيرى كثير من العلماء جوازه، وانظر جواب السؤال رقم (١٣٦٣٣) .
وجميع ما سبق يدل - من باب أولى - على جواز استعمال الرسوم والصور في دراسة علوم الطب وما يتعلق بها.
وقد سبق أيضا في موقعنا الفتوى بنحو ذلك في جواب السؤال رقم (١٠٢٢٨) ، (١٣٧١٦) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب