للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القهوة والشاي والسكَّر فيها ضرر أحياناً فهل تحرم كالدخان؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[اختلفت أنا وبعض أصدقائي في نقاش دار بيننا حول تحريم ما يضر، وكان الدخان هو موضوع النقاش، واستدللت بالآية الكريمة (ويحرم عليهم الخبائث) ، وقلت: كل ما يضر محرم، فقالوا: إذاً الشاي والقهوة والكولا والسكر والماء كلها محرمة؛ لأن كثرة شرب الماء قد تسبب الموت خنقاً، وتناول السكَّر بكميات كبيرة جدّاً قد يرفع سكر الدم مسبباً صدمة قد تسبب الوفاة، وكل شيء قد يتناول بكثرة وهو حلال حتماً سيسبب الضرر، فما هو الحد في تحريم تناول مسببات الضرر؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

سبق الكلام على حرمة التدخين، وبيان أسباب تحريمه في جوابي السؤالين: (٩٠٨٣) و (١٠٩٢٢) .

ولا ينبغي لأحدٍ أن يجادل في كون الدخان من الخبائث، فهو خبيث الرائحة، وخبيث الأثر على صاحبه وعلى من جاوره، ولا يَختلف الأطباء في أن الدخان ضارٌّ بالبدن، وما كان كذلك: فهو من الخبائث، ومن صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء ليحل الطيبات، ويحرِّم الخبائث.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:

"يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) من الأطعمة؟

(قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) وهي كل ما فيه نفع، أو لذة، من غير ضرر بالبدن، ولا بالعقل، فدخل في ذلك جميع الحبوب، والثمار، التي في القرى، والبراري، ودخل في ذلك جميع حيوانات البحر، وجميع حيوانات البر، إلا ما استثناه الشارع، كالسباع، والخبائث منها.

ولهذا دلت الآية بمفهومها على تحريم الخبائث، كما صرح به في قوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) " انتهى.

" تفسير السعدي " (ص ٢٢١) .

وقد صدرت فتاوى متعددة من العلماء بحرمة الدخان.

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

"شرب الدخان حرام؛ لأنه ثبت أنه يضر بالصحة؛ ولأنه من الخبائث؛ ولأنه إسراف، وقد قال تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) " انتهى.

الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٢ / ١٧٨، ١٧٩) .

وقالوا – أيضاً -:

"شرب الدخان حرام؛ لأنه من الخبائث، وقد حرم الله ورسوله الخبائث، وقال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) " انتهى.

الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٢ / ١٧٩، ١٨٠) .

وبهذا يتبين أن الاستدلال بقوله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) على تحريم الدخان استدلال صحيح.

ولا يُختلف في كون الدخان مما يسبب الضرر لشاربه، بل لمن كان بجانبه ممن يستنشق ذلك الدخان المتصاعد من " السيجارة "، والقاعدة الشرعية هي أن كل ما ثبت ضرره فإنه يكون حراماً.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"الدليل على تحريم ما فيه مضرة: من القرآن، والسنَّة:

فمن القرآن: قال الله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة/ ١٩٥، وقال عزّ وجل: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النساء/ ٢٩، والنهي عن قتل النفس نهيٌ عن أسبابه أيضاً، فكل ما يؤدي إلى الضرر: فهو حرام.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار) ، وربما يستدل له أيضاً بقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) المائدة/ ٦، ووجه ذلك: أن الله تعالى أوجب التيمم على المريض حمايةً له عن الضرر، فعدل به عن الماء الذي قد يتضرر باستعماله في البرد والمرض ونحوهما إلى التيمم" انتهى.

" الشرح الممتع " (١٥ / ١٢، ١٣) .

والدخان لا يُختلف اليوم في أنه ضار.

قال الشيخ العثيمين رحمه الله:

"وكذلك الدخان، فإنه ضارٌّ في عينه، وضرره مُجمعٌ عليه بين الأطباء اليوم، لا يَختلف في ذلك اثنان منهم؛ لما يشتمل عليه من المواد السامة، المفسدة للدم" انتهى.

" الشرح الممتع " (١٥ / ١٠) .

ثانياً:

أما تمثيل المناقش لك الدخان بأطعمة وأشربة مباحة قد يتضرر الإنسان إذا أكثر منها: فهي حجة غير صحيحة، لأن هذه الأطعمة مباحة نافعة من حيث الأصل، وإنما تكون مضرة في أحوال معينة، كما لو أكثر منها.

والقاعدة السابقة: أن كل مضر فهو محرم، ينطبق عليها في هذه الحالة أيضاً، فلا يجوز لأحد أن يكثر من شرب الماء أو أكل التمر ـ مثلاً ـ حتى يضره ذلك.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"والضارُّ في غيره: مثل أن يكون هذا الطعام لا يلتئم مع هذا الطعام، بمعنى أنك إذا جمعتَ بين الطعامين: حصل الضرر، وإذا أكلتهما على انفرادٍ لم يحصل الضرر، ومن ذلك الحمْية للمرضى، فإن المريض إذا حُمي عن نوع معينٍ من الطعام، وقيل له: إن تناوله يضرك: صار عليه حراماً ... .

قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وإذا خاف الإنسان من الأكل أذًى أو تخمة: حَرُمَ عليه ".

فإذا قال الإنسان: أنا إذا ملأتُ بطني من هذا الطعام: فإنه سيحتاج إلى ماء، فإذا أضفتُ إليه الماء: فلا أكاد أمشي، وأتأذى، فإن جلست: تأذيت، وإن ركعتُ: تأذيت، وإن استلقيت على ظهري: تأذيت، وإن انبطحت على بطني: تأذيت، وفي هذا يقول شيخ الإسلام: " إذا خاف الأذية: فإنه يحرم عليه الأكل وما قاله رحمه الله: صحيح؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يأكل ما يؤذيه، أو يلبس ما يؤذيه، أو يجلس على ما يؤذيه، حتى الصحابة رضي الله عنهم في السجود، كانوا إذا أذاهم الحر يبسطون ثيابهم، ويسجدون عليها؛ لئلا يتأذوا؛ ولأجل أن يطمئنوا في صلاتهم.

وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام خوف الأذية والتُّخمة ممَّا ضرره في غيره، وهو الإكثار، يعني هو بنفسه ليس بضار، لكن الإكثار منه يكون ضاراً مؤذياً، حتى وإن لم يتضرر، لكن الظاهر لي من الناحية الطبية أنه يتضرر؛ لأن المعدة إذا ملأتها سوف تتأذى وتتعب ... .

وقد قيل: إن من الأمور المهلكة: إدخال الطعام على الطعام، فإذا صح ذلك كان – أيضاً – حراماً؛ لأن الله يقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/ ٢٩.

ولا يبعد أن يكون هذا صحيحاً، وهو أمر مجرَّب" انتهى.

" الشرح الممتع " (١٥ / ٩ - ١١) .

وقال رحمه الله:

"لو قيل لرجل مصاب بالداء السكري: لا تأكل التمر، ولا الحلوى: صار التمر، والحلوى حراماً عليه؛ لأنها تضره، ووجب عليه اجتنابها، وهي حلال للآخرين" انتهى.

" لقاءات الباب المفتوح " (٢٢٩ / السؤال رقم ٢) .

وبهذا يتبين خطأ قياس صاحبك المباح من الطعام والشراب على الدخان المحرَّم.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>