للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التفصيل في حكم الألغاز

[السُّؤَالُ]

ـ[ما رأيك في الألغاز الرياضية، وهل يجوز الاشتغال بها واستعمالها في المسابقات والجلسات مع الإخوان؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الألغاز أنواع، منها المستحب، ومنها المحرَّم، ومنها المباح.

أما المستحب: فهو ما كان في العلم الشرعي، تمريناً للسامع على إعمال فكره، وبثّاً لروح التنافس بين السامعين.

فعَنْ عَبدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ) . رواه البخاري (٦١) ومسلم (٢٨١١) .

قال النووي رحمه الله:

"وفي هذا الحديث فوائد منها: استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر، والاعتناء، وفيه ضرب الأمثال والأشباه " انتهى.

" شرح مسلم " (١٧ / ١٥٤) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

"وفي هذا الحديث من الفوائد: امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى، مع بيانه لهم إن لم يفهموه، وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن الأغلوطات) قال الأوزاعي - أحد رواته -: هي صعاب المسائل: فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه، أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول، أو تعجيزه.

وفيه: التحريض على الفهم في العلم، وقد بوَّب عليه المؤلف باب " الفهم في العلم " انتهى.

" فتح الباري " (١ / ١٤٦) .

وقال العيني رحمه الله:

"فيه استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه؛ ليختبر أفهامهم؛ ويرغبهم في الفكر.

الثاني: فيه: توقير الكبار، وترك التكلم عندهم.

الثالث: فيه: استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة، ولهذا تمنَّى عمر رضي الله عنه أن يكون ابنه لم يسكت.

الرابع: فيه جواز اللغز مع بيانه " انتهى.

" عمدة القاري " (٢ / ١٥) .

ثانياً:

وأما اللغز المحرَّم، فمنه: ما كان فيه تعرض لذات الله تعالى أو رسوله صلى الله صلى الله عليه وسلم أو دينه، استخفافاً، واستهزاءً.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

في بعض المجالس يحصل أن يتكلم أحد الحاضرين بكلام يقصد به التسلية، أو يأتي به على هيئة ألغاز , ولكن يظهر للسامع أن به مساساً بالعقيدة , ومن ذلك أنه يقول: إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء! ويقصد بذلك الزوجة، والولد، والله سبحانه وتعالى منزَّه عن الصاحبة، والولد , كما يقول: لا حمدَ للاهي، ولا شكر له! وقصده اللاهي الذي ألهته دنياه عن آخرته , فما حكم الشرع في نظركم لذلك؟ وما نصيحتكم لمن يقول مثل هذا الكلام؟ .

فأجاب:

"أرى أن هذا الكلام حرام؛ لأنه يوهم معنىً باطلاً، وإن كان سوف يفسر ما يريد , لكن سيبقي الشيطان أثر ذلك في قلب المخاطب، أو المستمع , وأنصح من يتكلم بهذا أن يقرأ قول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ ١٨، واعلم أن كلمتك هذه إن ترتب عليها كفر أو شك: فالحساب عليك، فعلى كل مؤمن أن يحترم جانب الرب عز وجل , وأن يعلم أن الأمر خطير , (رُبَّ كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً) - والعياذ بالله - أو أكثر , فأرى أن هذا الكلام منكر , وأنه لا يحل للإنسان أن يلقيه , وأن على من سمعه أن ينصحه، فإن اهتدى: فله، ولمن نصحه , وإن لم يهتدِ: فإنه يجب عليه أن يغادر المكان الذي يلقى فيه مثل هذا الكلام " انتهى.

" لقاءات الباب المفتوح " (١٠٦ / السؤال رقم ١) .

ثالثاً:

وأما النوع الثالث من الألغاز فهو الألغاز المباحة، كالتي تشتمل على مواد حسابية، أو ثقافية، أو سياسية، وغيرها، وينبغي التنبه لشروط جوازه، وهي:

١. عدم الإكثار منها؛ لأن الإكثار مضيعة للوقت، وهدر للطاقات، وانشغال فيما لا طائل من ورائه.

٢. أن تكون خالية من المقامرة، ويجوز لطرف غير مشارك أن يعرض لغزاً ويعطي جائزة لمن يجيب عليه، ويجوز أن تكون الجائزة من طرف مشارك على أن لا يُلزمهم بدفع شيء إن لم يجيبوا، أو إن أجاب هو عليه، ولا يجوز أن يدفع الطرفان مبلغاً يُعطى لمن يحل اللغز منهما، وإلا كان هذا من المقامرة.

٣. أن لا يصاحب عرض اللغز وحله سب أو شتم أو تحقير أو تجهيل، وكلها أخلاق منافية لأخلاق الإسلام.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>