للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والدها سبَّ الرب والقرآن ووالدتها متبرجة وهي تكرههم وتسأل النصيحة

[السُّؤَالُ]

ـ[للأسف، أمي، وأبي، عقوني أنا وإخوتي، فكلٌّ منهما لم يراع ِ اختيار الشريك المناسب، فأمي تزوجت أبي وهو لا يصلي، وهو تزوجها وهي مقصرة في حجابها، معاصيهما كثيرة، وتتضمن الكبائر والموبقات، لم يعلماني الصلاة، ولا الحجاب، ولا شيء، لكن أحمد الله أن يسر لي أخوات صالحات أرشدنني إلى الطريق، مشكلتي أنني لا أطيق أمي ولا أبي، لا أطيق أن أنظر إليهما، مشكلتي أنني أرفع صوتي عليهما، ولا أساعد أمي في تدبير المنزل، لا كسلاً، بل كرهاً لها، أريد أن أراها تتعب في هذه الدنيا؛ لأنها ستكون السبب في هلاكي، ودخولي نار جهنم (في حال لم أتعرف على أولئك الصالحات) . مشكلتي أنني أخاف من عقوق الوالدين، أحاول أن أفتح صفحة جديدة معهما، لكن لا أستطيع، هما يردانني! نعم، فمرة جاهدت نفسي لأتكلم مع أمي بالحسنى، وأعطيتها قطعة حلوى، فصرخت في وجهي، وقالت: أعطيتيني إياها لأنها سقطت على الأرض؟! حينها صرخت في وجهها، وقلت لها: أنا أكرهك، وأسأل الله أن يفرق بيني وبينك في الدنيا والآخرة! بالفعل أريد فراقهما، فحتى صلاتي لا أخشع بها، لأنني عندما أشرع في صلاتي تأتي أمي وتتكلم معي حتى إذا فرغت من الصلاة سكتت! لذلك أريد أن أسافر للدارسة، وأبتعد عنهما. كيف سأحبهما وهما يعصيان الله، ويأمرانني بذلك؟ كيف أحبهما وقد رفضا تزويجي من شخص صالح لأن معلمتي في المدرسة (معلمة التربية الإسلامية) هي من أتتني به؟! يريدان مني أن أتعرف على شريك حياتي في الجامعة كما فعلت أختي الكبرى! . سؤال آخر وهو الأهم: أبي هل يعد كافراً؟ لأنه ولـ ٣ مرات سبَّ الدين، والقرآن في حالات غضب، لا أدري إن كان قد تاب أم لا، مع أن أبي يصلي، ويصوم، ويقرأ القرآن. أفيدوني ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف معهما؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أما سبُّ الدِّين، أو الرب، أو القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه كفر، وردة عن الدِّين، ولا خلاف بين أهل السنَّة في ذلك.

والتذرع بالغضب في هذا الباب لا ينفع فاعله؛ لأن الغضب في أكثر أحواله لا يكون عذراً للسابّ! فإن كان غضبه غير شديد: فواضحٌ حكمه، وأما إن كان شديداً: فنقول: كيف لم يأتِ على بال هذا الغاضب المغلق غير الرب والدِّين ليسبهما؟! فهلا سبَّ أباه، أو أمَّه، أو رئيس الدولة! وعدم سبِّ أولئك الغاضبين أحداً من محبوبيهم، أو ممن لهم سلطان وقوة: يدل على أنه معه عقله، وأنه لمَّا هان عليه الرب والدِّين لم يجد غيرهما ليتناولهما بالسب والشتم! .

وأما الغضب الذي يُرفع به التكليف عن صاحبه: فإنه غضب لا يدري صاحبه ما يقول، ولا يدري هو في الأرض أم في الفضاء، ولا يدري أقال ما قال في ليل أو نهار، ومثل هذا لا تجري الأحكام العملية عليه، من طلاق، أو يمين، أو نذر، وغيرها.

وينظر في هذا أجوبة الأسئلة: (٤٢٥٠٥) و (٦٥٥٥١) .

فالواجب على والدك اغتنام حياته قبل مماته بالمبادرة إلى التوبة، والكف عن إطلاق لسانه بالسب والشتم لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله، وأنه إن لم يفعل هذا: لم تنفعه صلاة، ولا صيام، ولا طاعة، بل سيكون كافراً مرتدّاً.

ثانياً:

أما بخصوص علاقتك بوالديك: فإننا نحث دوماً على ما حثَّ عليه الله تعالى من الإحسان للوالدين، والبر بهم، ولو كانوا كفاراً، يجاهدون أولادهم لإضلالهم، ونؤكد على الحث ونزيد في مقداره من رزقه الله تعالى هداية ورشاداً، فهم أولى الناس برحمة والديهم، وهم أقدر من غيرهم على دعوتهم للحق بما يعرفونه من أخلاق الإسلام وأحكامه.

لذا فإننا نرى لك الصبر على دعوة والديك للهدى، وبذل مزيد من الجهد في التحمل لما يصدر منهم من إساءة، وتأملي ما جرى لكثيرين من أهل الخير، صبروا على أهليهم، ولم يتوانوا في دعوتهم بشتى الوسائل والطرق الشرعية المباحة، فأكرمهم الله تعالى بهداية أهليهم لما هداهم إليه، فصارت الأسرة كلها على ما يحب ربنا ويرضى.

وقد يرى المسلم من أهله ما لا يطيقه من أخلاق وتصرفات ومخالفات، ولو أن كل واحد من دعاة الخير كان موقفه الهجر والترك لهم: لما صلحت أحوالهم، ولكان في ذلك انقطاع حبل الدعوة والنصح لهم، بل إننا نرى أن واجب الدعوة والنصح يزداد على الولد الصالح، وبخاصة إن لم يكن في أسرته من يقوم بهذا الواجب غيره، فمزيدا من الصبر، ومزيدا من التحمل، ولا تنسي الدعوة بالحسنى، وبذل الوسع في حسن الاختيار للكلمات، والأفعال، مع مداومة الدعاء لهم بالهداية والتوفيق.

واستمري مع صحبتك الصالحة، تقوين بها إيمانك، وتستفيدين معها علماً نافعاً، وتسترشدين بآراء العاقلات منهن ما ينفعك في علاقتك مع أهلك.

ولعلهما إن رأيا ذلك منك، ورأيا توددك إليهما، وحرصك على الخير لهما، أو شعرا ـ على الأقل ـ أنك لا تحملين عداوة لهما، لعلهما ـ حينئذ ـ أن تلين قلوبهما لك، ويكفا عن الإساءة إليك، أو يقبلا زواجك بمن جاءك من أهل الخير.

ولا ننصحك بالتعلق بالدراسة الجامعية، والسفر بعيداً عن الأهل، لترتاحي منهم؛ فأنت بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلا بد أنك تعلمين، وأنت الحريصة على دينك، ما في التغرب عن الأهل، والدخول في الدراسة المختلطة من مفاسد كثيرة، خاصة في حال فتاة تريد أن تهرب من بيتها وأسرتها، فاحذري ـ يا أمة الله ـ لا يتلقفنك عدو الله إبليس وجنده، فلكل ساقطة لاقطة، واحذري من حبائل الشيطان.

عصمك الله من كل ما يغضبه ويسخطه، وهداك إلى البر والتقوى، ونسأله ـ سبحانه ـ أن يكتب لك الأجر موفوراً، وأن يعينك على دعوة أهلك، وأن يهديهم لما فيه صلاح حالهم.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>