الفرق بين الحلم والرؤيا، وهل هناك رؤى تحذيرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يرى النائم أحلاماً تحذيرية؟ لقد عاودتني مؤخراً بعض الأحلام، حيث كان هناك من يريد أن يؤذي أحد أفراد عائلتي جسديّاً، وعن طريق تشويه سمعته، وهنا كنت أستيقظ من نومي، لم أخبر أحداً في عائلتي بالأمر، لكني أطلب من الله الحماية؛ لأنه مع أن هناك من قد يكون يكيد لعائلتي، إلا أني أعرف أن الله هو المدبر سبحانه، فإذا أخبرت أحد أفراد عائلتي أني أخاف أن يكون هناك من يكيد له، فهل فيه محظور؟ كما أرجو أن تدعو الله أن يحمينا. أرجو ألا أكون قد ارتكبت محظوراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل مكروه وسوء، وأن يصرف عنا وعنكم كيد شياطين الإنس والإنس، إنه هو خير حافظا، وهو أرحم الراحمين.
وأما ما يراه النائم في نومه فهو ثلاثة أنواع: رؤيا، وهي من الله تعالى، وحلُم وهو من الشيطان، وحديث النفس.
فالرؤيا: هي مشاهدة النائم أمراً محبوباً، وهي من الله تعالى، وقد يراد بها تبشير بخير، أو تحذير من شر، أو مساعدة وإرشاد، ويسن حمد الله تعالى عليها، وأن يحدث بها الأحبة دون غيرهم.
والحلُم: هو ما يراه النائم من مكروه، وهو من الشيطان، ويسن أن يتعوذ بالله منه ويبصق عن يساره ثلاثا، وأن لا يحدِّث به، فمن فعل ذلك لا يضره، كما يستحب أن يتحول عن جنبه، وأن يصلي ركعتين.
وقد يكون ما يراه النائم ليس رؤيا ولا حلما، وإنما هو حديث نفس، ويسمى " أضغاث أحلام "، وهو عبارة عن أحداث ومخاوف في الذاكرة والعقل الباطن، يعيد تكوينها مرة أخرى في أثناء النوم، كمن يعمل في حرفة ويمضي يومه في العمل بها وقبل نومه يفكر فيها، فيرى ما يتعلق بها في منامه، وكمن يفكر في معشوقه فيرى ما يتعلق به، ولا تأويل لهذه الأشياء.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه ... " رواه مسلم (٢٢٦٣) .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ": أن رؤيا المؤمن تقع صادقة؛ لأنها أمثال يضربها الملك للرائي، وقد تكون خبراً عن شيء واقع، أو شيء سيقع فيقع مطابقاً للرؤيا، فتكون هذه الرؤيا كوحي النبوة في صدق مدلولها، وإن كانت تختلف عنها، ولهذا كانت جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (١ / ٣٢٧)
فرؤيا المؤمن وصفت في الأحاديث بأنها " صادقة " و " صالحة " و " من الله "، ومعنى " صادقة " سبق في كلام الشيخ ابن عثيمين أنها تقع صادقة، ومعنى " صالحة " أنها تكون بشارة أو تنبيها على غفلة، ومعنى كونها " من الله " أي: من فضله ورحمته، أو من إنذارهوتبشيره، أو من تنبيهه وإرشاده.
ووصف الحلم بأنه " تحزين " وأنها " من الشيطان "، ومعنى " تحزين " أي: لكي يحزنه ويكدِّر عليه حياته، ومعنى " من الشيطان " أي: أنه من إلقائه وتخويفه ولعبه بالنائم.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في بيان هذا النوع -:
إفزاع من الشيطان، فإن الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه من شيء في نفسه، أو ماله، أو في أهله، أو في مجتمعه؛ لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين كما قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله} ، فكل شيء ينكِّد على الإنسان في حياته ويعكِّر صفوه عليه: فإن الشيطان حريص عليه، سواء ذلك في اليقظة أو في المنام؛ لأن الشيطان عدو كما قال الله تعالى {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً} .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (١ / ٣٢٩) .
وقد دلَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما نفعله إذا رأى الإنسان في نومه ما يكرهه فقام على إثره، وهي: التفل عن اليسار، والتعوذ من الشيطان، وتغيير الجنب، والصلاة إن شاء وأن لا يحدث بها الناس.
وننبه إلى أمرٍ مهم وهو أن الإنسانَ إذا كان صالحاً مستقيماً على طاعة الله تعالى، فإنه لا يضره أن يرى نفسه أو يُرى على حالةٍ لا تسر، وإذا كان سيئاً عاصياً في يقظته فإنه لا ينفعه أن يرى نفسه أو يُرى على أحسن حال.
قال ابن مفلح:
قال هشام بن حسان: كان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة , فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم.
" الآداب الشرعية " (٣ / ٤٥١) .
وقال:
قال المروذي: أَدخلت إبراهيم الحميدي على أبي عبد الله وكان رجلا صالحا فقال: إن أمي رأت لك كذا وكذا وذكرت الجنة، فقال: يا أخي إن " سهل بن سلامة " كان الناس يخبرونه بمثل هذا , وخرج سهل إلى سفك الدماء وقال: الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
" الآداب الشرعية " (٣ / ٤٥٣) .
والخلاصة:
أنه قد تكون في الرؤيا تحذير للإنسان وتنبيه له أو لغيره من غفلة يعيشها، أو معصية يرتكبها، أو خاتمة سوء إن استمر على م هو عليه من انحراف وضلال، وهذا لا يكون في الحلم الذي هو من تحزين الشيطان وتنكيده، بل يكون من الله بفضله ورحمته، فيمكن للإنسان إذا رأى في منامه ما يوجب تنبيه وتحذير الآخرين أن يفعل ذلك، وكذا لو رأى ما ينبهه ويحذره هو.
ولك أن تحذِّر قريبك من مكيدة محتملة، أو سوء متوقع لكن دون أن تخصص له أحداً بعينه، فإن كان ما تخشى شره، فقد أخذتم حذركم، ولم يضركم شيء، إن شاء الله، وإن تخلف ما تخشون، ولم تكن الرؤيا على ما خفتم وقوعه، لم يضركم شيء، ما دمتم لم تتكلموا في حق أحد بسوء، ولم تعتدوا على أحد.
وانظر – للمزيد – حول الرؤى والأحلام جواب السؤال رقم (٦٥٣٧) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب