تختلف طباعها عن طباعه وتفكيرها عن تفكيره فهل يطلقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فإني أود أولاً أن أوجه الشكر لكل القائمين على هذا العمل، راجياً الله أن يكون في ميزان حسناتهم، اللهم آمين. متزوج منذ ٣ سنوات، ولدي طفلتان، عمرهما (سنتان / ٦ شهور) ، وتأتى عليَّ الكثير من الأوقات لا أطيق زوجتي، رغم زواجنا عن حب (أدعو الله ليل نهار أن يغفر لي ولها هذه العلاقة) ؛ وذلك للاختلاف التام بيني وبينها، من حيث النشأة، والتربية، والتفكير، والطباع، أفكر كثيراً في أن أطلقها، ولكن أفكر في عدة أمور، منها: أني مأجور - بإذن الله - على صبري عليها، وأنها يتيمة لا يوجد لها عائل سواي، والأهم من هذا كله - وهو ما يثنيني فعلا في أضيق الأوقات ذرعا بها - أن الله رزقني بنات، وإذا تركتهم لها لن يربوا التربية التي ترضي الله ورسوله (ليس انحرافاً - والعياذ بالله - ولكن ليس بالالتزام المطلوب) ، وهذا التفكير يجعل بدني يقشعر حيث إني محاسب عليهم أمام ربى، تأتي عليَّ الأوقات التي لا أطيق فيها العيش معها، ليس لضعف بي - والحمد لله - حيث إن الكل يشهد لي بقوة الشخصية والشكيمة، خاصة معها! ولكن لاختلاف طباعها، وتفكيرها، وقد حاولت مراراً وتكراراً أن أفهمها العلاقة السليمة بين الزوج والزوجة، إلا أنها بعد فترة تعود لما كانت عليه. السؤال: ماذا يجب عليَّ أن أفعل؟ وهل إذا لم أطق العيش معها وطلقتها وضمت الطفلتين أكون محاسباً عن الخلل في تربيتهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يمكن تخيل حياة زوجية دون مشكلات فيها، وهذه أشرف بيوت على وجه الأرض وهي بيوت الأنبياء انظر كم فيها من اختلاف، فإن شئت ذكَّرناك ببيت أبينا إبراهيم عليه السلام وخلافه مع والده، أو بيت نوح وخلافه فيه مع زوجته وابنه، أو بيت لوط عليه السلام وخلافه فيه مع زوجته.
وإن شئتَ ذكَّرنا ببيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكم حصلت فيه من مشكلات حتى وصل الحال بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يهجر نساءه شهراً كاملاً، ويعتزل في المسجد! .
لا تخلو بيوت المسلمين من هذه المشكلات، وهي تقل بحسب رجحان عقل الزوج، وقوة شخصيته، وحكمته في معالجة الأمور، وتكثر بحسب تهور الزوج، وشدته، وغلظته.
ولا يوجد زوجة تطابق ما في مخيلة زوجها من صفات الكمال البشرية، بل لا بدَّ من النقص والقصور، وعلى الزوج تحمل ذلك إن أراد أن تستقيم حياته، ولن يكون استمتاع بينه وبينها إلا على عوَج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
وقبل أن تقرر الطلاق: نرجو منك التأمل سريعاً في هذه النقاط:
١. قد تكون أنت السبب في أخطاء زوجتك! نعم، إما بسوء خلقك في تعاملك معها، أو بمعاصٍ ترتكبها، ويكون ما يصدر منها عقوبة لك عليها، فقف على السبب، وأصلح حالك مع ربك تعالى بالطاعة وترك المعصية، ومع زوجتك بتوفير سبل الهداية من الصحبة الصالحة، وسماع المحاضرات النافعة، وبتعليمها حقوق الزوج عليها، وسترى أثر ذلك قريباً إن شاء الله.
٢. وإذا كنتَ على علاقة غير شرعية مع زوجتك قبل الزواج – ونحمد الله أن وفقك للتوبة منها – ويزعمون أنهم في هذه العلاقة يتعرف بعضهم على بعض! ويخططون لحياة مستقبلية سعيدة: فأنت إذن من بنى هذا البيت، وأنت من اختار شريكة حياته، فما الذي سيتغير في زواجك الثاني؟! سيجمعك الزواج الجديد بامرأة جديدة، وقد يكون لها من الصفات والأخلاق ما هو أسوأ من الأولى، فأصلح الأولى واصبر عليها فهو أفضل لك.
ولتعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أنه إذا كان الذي ينفرك من امرأتك قلة عقلها، وضعف تفكيرها، فاعلم ـ يا عبد الله ـ أن النساء كلهن كذلك: ناقصات العقل؛ وربما كان ذلك ممدحة لهن في كثير من الأحوال، وكم رأينا وسمعنا من يشتكي من امرأته المتعبة المجادلة في كل صغير وكبير، والتي تضع رأسها برأس زوجها في البيت؛ أفتريد رجلا آخر يا عبد الله؟!
٣. في كثيرٍ من الأحيان يصبر الزوج العاقل على تصرفات زوجته الحمقاء من أجل أولاده، فهو لا يريد لهم التشتت والضياع، ويريد لهم التوفيق والرشاد، وهذا لا يكون – البتة – في الطلاق، فيصبر على زوجته رجاء أن يكون بقاؤه في بيت الزوجية سبب إصلاح لأولئك الأولاد.
٥. لن تندم – إن شاء الله – إن صبرتَ على زوجتك، وفي ظننا أنك سوف تندم على تطليقك لها، فافهم هذا، وليكن على بالك، فلا تتعجل، واصبر وتصبَّر.
٤. وقبل أن تطلِّق عليك التفكير في آثار هذا الطلاق، ومن تلك الآثار:
أ. قلة أو انعدام فرص تزوج امرأتك من آخر، بسبب أنها مطلقة، وأنها ذات أولاد، ولا يخفاك ما يمكن أن يترتب على هذا الأمر.
ب. تشتت الأولاد، وضياعهم، فطاقتهم البدنية ستضيع في التنقل بيت بين أمهم وبيت أبيهم، وطاقتهم الذهنية ستضيع في التفكير في حال والديهم، وطاقتهم العاطفية ستجف أو تخف بسبب فقدانهم لحنان الأم المحلى بقوة شخصية الأب.
وقد أحسنتَ جدّاً في جعل هذا الأمر مما يثنيك عن الطلاق، والحقيقة أنهم سبب مهم، وأن وجود مثل هؤلاء الأولاد في المجتمعات إنما هو نذير شرٍّ، فلا تهدم بناءك، وتشتت أولادك بأمرٍ يمكنك المبادرة بإصلاحه دون هدمه.
إننا نوافقك كل الموافقة على أن التفكير في مصير أولادك، مسئوليتك عنهم أمام الله عز وجل، بل ومصير هذه الزوجة اليتيمة، أم أولادك، جدير بأن يقشعر جلدك حين يرد عليك هاجس الطلاق!!
ثالثاً:
وما ذكرناه لك من الصبر عليها من أجل إصلاح حالها، أو من أجل أولادك: لا يجيز لك إساءة عشرتها، والوصية لك: إما أن تمسكها بمعروف، أو تسرحها بإحسان.
ولتتذكر ـ أخيرا ـ وصية نبيك الكريم، صلى الله عليه وسلم، وأدبه لك:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم (١٤٦٩) .
قال النووي رحمه الله: (أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا , لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب