للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم سفر الإنسان بمفرده

[السُّؤَالُ]

ـ[هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر الإنسان بمفرده؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

نعم، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك في أحاديث، منها:

١- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) رواه البخاري (٢٩٩٨)

وقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (٢/٩١) هذا الحديث بزيادة فيها:

(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ)

إلا أن هذه الرواية تعتبر شاذة، وترجح عليها رواية البخاري لسببين اثنين:

أ - أن رواية البخاري رواها تسعة من أصحاب عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر. كلهم يقتصر على ذكر السفر دون المبيت، وانفرد واحد من تلاميذ عاصم بن محمد وهو عبد الواحد بن واصل بذكر النهي عن المبيت وحده. وهو وإن كان ثقة، إلا أن رواية الثقات أرجح من روايته.

ب - ويدل عليه أن رواية أحمد مروية بالمعنى، إذ لم يذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف رواية الأكثرين.

ولذلك حكم محققو مسند أحمد (٩/٤٦٧) ومثلهم الشيخ مقبل الوادعي في "أحاديث معلة" (٢٤٩) بشذوذ رواية عبد الواحد. بخلاف الشيخ الألباني حيث حكم بصحتها، كما في "السلسلة الصحيحة" (٦٠)

وقد ورد النهي عن مبيت الرجل وحده مرسلا عن عطاء، كذا رواه أبو داود في "كتاب المراسيل" (٣٨٠) وابن أبي شيبة في "المصنف" (٧/٧٢٦)

وروى الطبراني في "الأوسط" (٢٠٧٩) من طريق محمد بن القاسم الأسدي عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا، ولا نام رجل في بيت وحده)

إلا أنها رواية مردودة بسبب محمد بن القاسم الأسدي، لأنه متهم بالكذب.

كما جاء النهي عن المبيت وحيدا في بعض الآثار الصحيحة: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لا يسافرن رجل وحده، ولا ينامن في بيت وحده " انتهى.

صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١/١٣٠)

وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده؟ قال: أحب إليَّ أن يتوقى ذلك. نقلا عن "الآداب الشرعية" (١/٤٢٨)

٢- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) رواه الترمذي (١٦٧٤) وقال حديث حسن. وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (٦/٥٣) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (٦٢)

وهذه الأحاديث تدل على كراهة الوحدة فيما يخشى المرء فيه على نفسه، من ضعف وهلكة ومشقة، أو ما يخشاه من إغواء الشيطان وإضلاله، فإن الفائدة من وجود الرفقة والصحبة الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى، فإن الشيطان من الإثنين أبعد.

يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٦/٥٣) :

" وترجم له ابن خزيمة: " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة "؛ لأن معنى قوله (شيطان) أي: عاص. وقال الطبري: " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة، وليس بحرام، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف.

والحق أن الناس يتباينون في ذلك، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وَقَعَ لحسم المادة، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك، وقيل في تفسير قوله: (الراكب شيطان) أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان، أو أشبه الشيطان في فعله، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه، بخلاف الثلاثة، ففي الغالب تؤمن تلك الخشية " انتهى.

والظاهر من الحديث أن النهي وارد على من يسافر في الطرق الخالية الموحشة، أما الطرق الآهلة، والتي يأمن فيها المرء ألا تنقطع به السبيل، ولا يعدم معينا ولا أنيسا، فلا يرد الكراهة ولا النهي عنه، ومثله السفر في أيامنا هذه في الطائرات أو السفن أو الحافلات، لأن من فيها كلها يعتبرون رفقة، فلم يتحقق وصف الوحدة المنهي عنه.

يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (متفرقات/الآداب) :

" وهذا يدل على الحذر من سفر الإنسان وحده، ولكن هذا في الأسفار الذي لا يكون طريقها مسلوكاً بكثرة، وأما الأسفار الذي يكون طريقها مسلوكاً بكثرة وكأنك في وسط البلد، مثل طريق القصيم الرياض، أو الرياض الدمام وما أشبه ذلك من الطرق التي يكثر فيها السالكون، ومثل طريق الحجاز في أيام المواسم، فإن هذا لا يعد انفراداً في الحقيقة؛ لأن الناس يمرون به كثيراً، فهو منفرد في سيارته وليس منفرداً في السفر، بل الناس حوله ووراءه وأمامه في كل لحظة " انتهى.

ويقول الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث "الصحيحة" (٦٢) :

" ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات. والله أعلم " انتهى.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>