للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زوجها أخذ مالها وضيعه ويهددها بالطلاق ليأخذ المزيد

[السُّؤَالُ]

ـ[السائلة تحكي قصتها بأنها تعرضت لحادث سيارة عندما كانت صغيرة وأن والديها بذلا الغالي والنفيس في سبيل علاجها الذي امتد لعدة سنوات. بعد ذلك قام والداها بشراء بيت وكتباه باسمها. ومرت الأيام، وفتح الله عليها وتزوجت، وكرد للجميل اشترت بيتاً لأبويها، وأهدته لهما. ولكن زوجها عارض الفكرة، وظل يصر عليها بأن تجعله باسمها ففعلت. وعندما تزوجت قالت لزوجها أريد منك أن تعتبر مالي هو مالك، وأن تبحث عن مشروع ننمي فيه رأس المال الموجود لدينا الآن شريطة أن يكون هذا المشروع بعيداً عن كل ما يتعلق بالربا، أو المسكرات، أو لحم الخنزير. ومرت الأيام، وقال إنه سيفتح مطعماً للبتزا، وأخذ مبلغا من المال، ولكنه لم يستمع لنصيحتي وانخرط في التعامل بالأشياء المحرمة، ففشل هذا المشروع وخسرنا كل الأموال التي وضعناها فيه. وبدأ رأس المال يتقلص ويقل، وقد كنا اشترينا بيتاً في وسط المدينة فبعناه ليواصل سلسلة مشاريعه الفاشلة، حتى انتهى بنا الأمر أن نعيش في غرفة واحدة مع طفلنا الرضيع. بعد هذا كله يلومني ويقول: إنني أنا السبب في كل هذا لأنني لم أف بوعدي له، ولم أعطه كامل الصلاحية في التصرف. جاء ذات مرة وقال: إنه يريد أن يفتح مشروعا جديدا، وطلب مني أن أختلق قصة وأخبر والدي أن يقرضه بعض المال، فرفضت فذهب هو وفعلاً حصل على بعض المال من والدي، بعد ذلك أصبحت معاملته لي سيئة جدا لأنني رفضت أن أذهب أنا إلى والدي. ثم بعد فترة قال لماذا لا نطلب من والدي أن يرهن البيت الذي كنت قد أعطيته له هو ووالدتي، فرفضت ولكنه هددني بالطلاق وأصر على أن أخبرهم، ففعلت فوجدت موافقة من قبل والدتي لكن أبي رفض وهدد أن يطلق والدتي لو تحدثت إليه مرة أخرى بخصوص هذا الموضوع، وقال إن زوجي رجل عديم المسؤولية وأنه يتلاعب بالأموال ولا يستحق أن يوثق فيه البتة. وكردة فعل من قبل زوجي ازدادت المعاملة السيئة سوءا إلى سوء، وكثيرا ما يهددني بالطلاق وأن يحرمني من ابني، بل أصبح يهدد أنه سيؤذي والدي، وسيربي ولدنا على كرهه، وأشياء من هذا القبيل. بعض الناس يقول إن هذا كلام، وإنه لن يفعل شيئا مما يقول، ولكني أعرفه جيدا؛ فقد يفعل أي مكروه لوالدي في أي لحظة. فما هي نصيحتكم؛ هل أخضع لرغبته، وأضغط على والدي برهن البيت - والذي يعتبر آخر ما نملك - لإعطاء زوجي ما يريده من المال؟ أم ما هو الحل الأنسب؟ ولا تنسوني من خالص دعائكم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

يظهر من خلال ما ذكرته السائلة أن زوجها لا يحسن التصرف في المال، ولا برعوي عن أخذ ما وصلت إليه يداه، ومثل هذا لا ينبغي للزوجة أن تعطيه شيئا من مالها ولا من مال والدها، ولا الإذعان لتهديده. والتجارب التي مرت معه كفيلة بمعرفة مدى جديته ومصداقيته وأمانته، بل الأدهى من ذلك: دينه، ومراعاة أمر ربه في تصريف المال.

والحل الأنسب أن تعامله المعاملة الحسنة، وأن تنصحه بتقوى الله تعالى، والبحث عن طرق الكسب المشروعة، بعيدا عن التطلع إلى أموال الآخرين، فهو مسئول عن توفير النفقة لها ولطفلها، ومطالب بالعمل المشروع لتحقيق ذلك.

وبعض الأزواج – للأسف – لا يقدر المسئولية، ولا يقف طمعه عند حد، فإذا كان للزوجة مال لم يتورع عن إنفاقه وإهداره، وهذا من سوء الخلق، وضعف الدين، ولهذا لا ينبغي أن يعان ولا أن يشجع على ذلك. والمرأة لها ذمتها المالية المستقلة، ولا يلزمها أن تعطي زوجها شيئا من مالها، ولها أن تستثمر مالها بما يعود بالنفع عليها، ولها أن تعطي من مالها لوالديها ولو لم يأذن زوجها.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" ما حكم الشرع ـ في نظرك ـ فيمن يضرب زوجته، ويأخذ منها مالها بالقوة، ويعاملها معاملة سيئة؟ ".

فأجاب، رحمه الله:

" هذا الذي يضرب زوجته ويأخذ مالها ويعاملها معاملة سيئة: آثم عاصٍ لله عز وجل؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النِّسَاء/١٩، وقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البَقَرَة/ ٢٢٨.

ولا يجوز لأحد أن يعامل امرأته هذه المعاملة السيئة، ثم يذهب ليطالبها أن تعامله معاملة حسنة، فإن هذا من الجور الداخل في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *} المطففين /١-٣؛ فكل إنسان استوفى حقه من الناس كاملاً، ثم لا يعطي الناس حقوقهم كاملة فإنه: داخل في هذه الآيات الكريمة.

والذي أنصح به هذا وأمثاله: أن يتقيَ الله عز وجل في النساء، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في عرفة، عام حجة الوداع؛ حيث قال: "فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ" [رواه مسلم (١٢١٨) . وأقول له ولأمثاله: إنه لا يمكن أن تكون الحياة سعيدة إلا إذا تعامل الزوجان، كل منهما مع الآخر، بالعدل والإحسان، والغض عن المساوىء، ومشاهدة المحاسن. قال النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم (١٤٦٩) . "

فتاوى علماء البلد الحرام (٤٨٧) .

ومن الممكن ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تستعيني عليه ببعض الناصحين من أهل الدين والأمانة، ينصحونه بما يجب عليه من عشرة أهله بالمعروف، وعدم التطلع لأموال الناس، ومساعدته على الحصول على العمل المناسب لحاله.

فإن لم ينته، وبقي على تهديده، فلا نرى لك أن تذعني لشيء من تهديده، ولا أن تطميعه فيما بقي لك من مال؛ فإن مثل هذا لا يؤمن أن يضيع ما بقي، ثم يعود إلى نفس الكرة من جديد، بل ستكون المشكلة أعقد: إذا أضاع بيتك، وبيت أهلك، فسيكون تلاعبه بكم، وتحكمه فيكم أكثر.

واستعيني بربك، واصبري، والجئي إليه، وأكثري من الدعاء لزوجك بالهداية وصلاح الحال.

واعلمي أن الله أقدر منه، وأجل وأعلى، وأن مقاليد الأمور بيده سبحانه.

وننصحك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم:

عن أنس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) .

رواه البخاري (٦٣٦٩) ومسلم (٢٧٠٦) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>