إذا تاب من الرشوة هل يرد الرشاوى لأصحابها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذت رشوة مبالغ نقدية وهدايا فكيف التوبة وما الحل في الفلوس والهدايا؟ وإذا تعذر إرجاع هذه الأشياء لصاحبها فما الحل؟ وإذا تصدقت بها فهل يجوز إخراج نقود بثمن الهدايا؟ وهل يمكن تزويج أحد الشباب من هذه النقود أو فتح مشروع لأحد الشباب المحتاجين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخذ الرشوة عمل محرم، وهو من كبائر الذنوب، لما جاء فيه من الوعيد واللعن، فقد روى أبو داود (٣٥٨٠) والترمذي (١٣٣٧) وابن ماجه (٢٣١٣) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) . وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٦٢١) .
والواجب على من وقع في الرشوة أن يتوب إلى الله تعالى، فيقلع عنها، ويعزم على عدم العود إليها، ويندم على ما فات.
وهل يلزمه رد الرشاوى إلى أصحابها؟ في ذلك تفصيل:
١- إن كان دافع الرشوة إنما دفعها ليتوصل بها إلى حق له، فيلزم رد ماله إليه؛ لأنه مال مأخوذ بالباطل والظلم والتعدي.
٢- وإن كان قد دفع الرشوة ليتوصل بها إلى غير حقه، وقد حصل له ذلك، فإن الرشوة لا ترد إليه؛ حتى لا يجمع بين العوضين، بين الوصل إلى غرضه ومنفعته – التي لا تحق له – وبين عودة ماله إليه. ويلزم التائب حينئذ أن يتخلص من الرشاوى التي لا تزال بيده، بإنفاقها على الفقراء والمساكين أو في المصالح العامة ونحو ذلك من أوجه الخير.
قال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغنى وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده.
فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل
لصاحبه في مقابلته نفع مباح.
وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (١/٣٨٩) .
وفي حال وجوب رد الرشوة إلى صاحبها، وتعذر الوصول إليه، لعدم العلم بمكانه، أو لوفاته وعدم العلم بورثته، بعد البحث والتحري، فإنك تتصدق بالمال على نية صاحبه.
والتخلص من الرشوة يكون بإعطائها للفقراء والمساكين وبذلها في المصالح العامة كما سبق، ولو أعطيتها لمن يحتاج إلى الزواج، ليستعين بها في زواجه، فهذا حسن، وكذلك لو أقمت بها مشروعا لأحد الشباب المحتاجين.
وما كان من الرشاوى العينية، فإنك تتخلص منه، أو تبيعه وتخرج ثمنه، ولو احتفظت به وأخرجت قيمته فلا بأس.
وإذا ترتب على أخذ الرشوة ضياع حق لإنسان، لزم رد الحق إليه أو التحلل منه، لأن الذنب إذا تعلق بحقوق العباد لم تتم التوبة منه إلا بذلك.
قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص ٣٣.
وينظر جواب السؤال رقم (٦٥٦٤٩)
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب