للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم أخذ الوصي من أموال الأيتام

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا الوكيل لورثة أخي وأقوم بمراجعة مستحقاتهم ومصالحهم كما أقوم بزيارتهم أسبوعيّاً وذلك لإسعاد أولاده مع أولادي، والسؤال عن طلباتهم (راتبهم ١٥٠٠٠ ألف، وحقوقهم ٤٠٠٠٠٠) وأنا لدي ديون مؤقتة ٤ سنوات بسبب البنيان، فأيهما أفضل أن أضغط على نفسي وأولادي قليلا أو أن آخذ من دون علمهم مصاريف البنزين وغيره (بسبب العادات) ؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

جعل الشرع أكل مال اليتيم بالباطل من السبع الموبقات المهلكات – كما روى ذلك البخاري (٢٦١٥) ومسلم (٨٩) عن النبي صلى الله عليه وسلم: ولكونه أمانة عظيمة قد يعجز عنها كثيرون قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – ضمن نصائح له –: (ولا تولينَّ مال يتيم) رواه مسلم (١٨٢٦) .

وقد أوجب الشرع على من قام بالوصاية على الأيتام أن يحسن رعايتهم وتربيتهم، وإذا كان لهم أموال أن يحسن حفظها وتنميتها، وأن يؤدي زكاتها، وإن كان غنيّاً فالأولى له أن يستعفف عن أموالهم، وإن كان فقيراً أن يأكل بالمعروف، وإن كان عاملاً بأموالهم أن يأخذ أجرة المثل، هذه أحكام الشرع، وهي غايةٌ في الحكمة والعدل.

قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء /٥،٦.

قال ابن كثير:

وقوله: (ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا) ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية (إسرافاً وبداراً) أي: مبادرة قبل بلوغهم، ثم قال تعالى: (ومن كان غنيّاً فليستعفف) عنه ولا يأكل منه شيئاً، وقال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم، (ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجاً أن يأكل منه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في والي اليتيم (ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) بقدر قيامه عليه.

قال الفقهاء: له أن يأكل من أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته، واختلفوا هل يرد إذا أيسر؟ على قولين: أحدهما: لا؛ لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي؛ لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل ... .

والثاني: نعم؛ لأن مال اليتيم على الحظر، وإنما أبيح للحاجة، فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة ... .

(ومن كان غنياً فليستعفف) يعني: من الأولياء، (ومن كان فقيراً) أي: منهم، (فليأكل بالمعروف) أي: بالتي هي أحسن، كما قال في الآية الأخرى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) أي: لا تقربوه إلا مصلحين له، فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف.

" تفسير ابن كثير " (١ / ٤٥٤، ٤٥٥) باختصار.

وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير، ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: كُل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل ".

رواه أبو داود (٢٨٧٢) والنسائي (٣٦٦٨) وابن ماجه (٢٧١٨) . والحديث: حسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (٤٤٩٧) .

مباذر: مسرف للمال تبذيراً له.

متأثل: آخذ من أصل المال.

فإن أردت أن تأخذ مالا مقابل ما تعمله لهم، من مراعاة مصالحهم، وكان عملك هذا يستحق أجرة فلا حرج عليك في ذلك، أما إن أردت أن تأخذ أجرة الزيارة فلا، لأنه لم تجرِ العادة بجعل مصاريف زيارة الأيتام عليهم من أموالهم، وهذا بخلاف ما تنفقه عليهم من لباس وأثاث وطعام لهم، فإنه يكون من أموالهم.

وحيث إنك في بلد يوجد بها قضاء شرعي فلا بد من مراجعة المحكمة الشرعية في ذلك، حتى يحكم القاضي بما يراه من مصلحة الأيتام، والله أعلم.

ونرجو منك التأمل كثيراً في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري (١٤٠٠) ومسلم (١٠٥٣) : (من يستعفف يعفَّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبِّره الله وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر) لتعلم أن الطريق إلى قضاء دينك هو الاستعفاف والاستغناء والصبر.

قال المباركفوري:

(ومن يستغن) أي: يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس، والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا من التعفف.

(يغنه الله) أي: يجعله غنيّاً أي: بالقلب ففي الحديث: (ليس الغني عن كثرة العرَض إنما الغني غنى النفس) ، أو يعطيه ما يغنيه عن الخلق.

(ومن يستعفف) الاستعفاف: طلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس , أي: من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها.

(يعفه الله) : أي يجعله عفيفا، فيحفظه عن الوقوع في المناهي، يعني: من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز ل يفنى.

(ومن يتصبَّر) أي: يطلب توفيق الصبر من الله؛ لأنه قال تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله) ، أو: يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه.

" يصبِّره الله ": أي يسهل عليه الصبر.

"تحفة الأحوذي" (٦/١٤٣، ١٤٤) باختصار.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>