للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُظهر الإسلام ولا يحضر إلى المسجد إلا قليلاً فهل نسيء الظن به؟

[السُّؤَالُ]

ـ[رجل يدعي الإسلام وهو من دولة أوربية، ويقيم في دولة إسلامية، ولا يحضر إلى المسجد في الصلاة إلا نادراً، وعندما أكلمه: إني لا أراك تحافظ على وقت الصلاة. يقول: إنه يصلي في البيت، مع العلم أنه ما زال يحمل إقامة وجواز مسيحي، ويقول إن لديه شهادة تثبت أنه مسلم، فما هو واجبنا تجاه هذا الرجل؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

يجب على من ينتسب للإسلام أن يُظهر شعائره، ويقيم شرائعه؛ بقدر استطاعته، وإذا ادعى المسلم أنه أدى العبادات كالصلاة والزكاة فإنه يُصَدَّق في ذلك، ويقبل قوله.

وليس لنا إلا ما ظهر من الناس، ولم يأمرنا ربنا أن نشق على قلوب الناس، وليس ذلك في مقدور أحدٍ أصلاً.

والأصل أن يحكم بإسلام كل من تلفظ بالشهادتين، ما لم يأت بناقض من نواقض الإسلام.

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. رواه البخاري (٦٩٢٤) ومسلم (٢٠) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" قال الخطابي: في الحديث أن من أظهر الإسلام أجريت عليه أحكامه الظاهرة ولو أسر الكفر في نفس الأمر.

ومحل الخلاف إنما هو فيمن اطُّلِعَ على معتقده الفاسد فأظهر الرجوع هل يقبل منه أو لا؟ وأما مَنْ جُهل أمرُه فلا خلاف في إجراء الأحكام الظاهرة عليه " انتهى. "فتح الباري" (١٢/٢٧٩، ٢٨٠) .

وبما أنك لم تطلع على اعتقاد فاسد عند هذا الرجل، ولم يأتِ بناقض للإسلام فليس لأحدٍ أن يطعن في انتسابه للإسلام، والأصل السلامة والبراءة.

واقرأ هذا الحديث وتمعن فيما جاء فيه من حوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن الوليد رضي الله عنه.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:. . . فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ! قَالَ: وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟! قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: لا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي. فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ؟! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. رواه البخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤) .

غائر العينين: عيناه داخلتان في موضعيهما.

مشرف الوجنتين: غليظ أعلى الخدين.

ناشز: مرتفع.

وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: (إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَة. رواه البخاري (٢٦٤١) .

ولا شك أن الصلاة هي خير أعمال المرء، فبما أنكم رأيتموه يصلي – ولو نادراً - وقد أظهر لكم الإسلام، فيجب أن يؤمَّن ويُصدَّق، فأكرموا هذا الرجل، وأعينوه على تطبيق شعائر الدين، وعلموه أحكام الشريعة، وأهمية الصلاة، وأدائها في جماعة في المسجد، وأظهروا له حسن خلق الإسلام، فلو كان غير صادق فلعله يتأثر ويصدق في ظاهره وباطنه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>