حكم الاشتراك في التأمين الصحي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس ومشترك في مشروع التأمين الصحي الخاص بنقابة المهندسين بالقاهرة ... وقد علمت أن بعض أنواع التأمين محرمة وبعضها يدخل في نطاق التعاون المباح.... وأريد أن أعرف هل التأمين الصحي الذي أنا مشترك فيه يدخل في نطاق المباح أم المحرم..... نظام التأمين في النقابة كما يلي....يدفع العضو ٧٥ جنيه مصري سنويا ... ويأخذ بقيمة ال٧٥ جنية كوبونات يستطيع بها الكشف في عيادات الأطباء المشتركين في مشروع النقابة في جميع التخصصات الطبية ... وتبيح هذه الكوبونات الكشف ٥ مرات خلال العام ... وإذا أراد العضو أن يكشف أكثر من هذه المرات يستطيع أن يشتري ٥ كوبونات جديدة.....وإذا لم يستخدم العضو الكوبونات أو بعضها فإنه يحتفظ بها أو يمكنه أن يعيدها للنقابة لكن بدون استعادة قيمتها.....هذا بالنسبة للكشف الطبي....أما عن العمليات الجراحية أو التحاليل والأشعات فإن النقابة تشترك مع العضو بجزء من قيمتها أو بكامل القيمة (وهذا يتوقف علي نوع العملية وتكلفتها ودرجة الرعاية والمستشفي) كما أن نسبة مشاركة النقابة في كل عملية محددة سلفا....فمثلا تشترك النقابة في تكاليف عملية الولادة بنصف التكاليف ... وبعض العمليات لا تشترك فيها النقابة مطلقا مثل العمليات التجميلية.......... السؤال هو هل هذا التأمين بالكيفية التي وصفتها حلال أم حرام؟ وإذا كان هناك أي معلومة أخري ترغبون في معرفتها لكي تتمكنوا من تحديد مدي مشروعية هذا التأمين يمكنني أن أرسلها في سؤال لاحق بإذن الله وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقود التأمين التجاري، ومنه التأمين الصحي الوارد في السؤال، تعد من الميسر المحرم؛ لاشتمالها على الجهالة والغرر، وحقيقتها قائمة على أكل أموال الناس بالباطل، والواجب على كل مسلم الابتعاد عن مثل هذه العقود الماحقة لكل بركة، المؤذنة بالخراب وضياع الحقوق.
فهذا التأمين التجاري يعد عقدا من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، المشتملة على الغرر كما أنه ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل، أو مقابل غير مكافئ.
كما أن فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، والأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/٢٩
كما أن فيه إلزاما بما لا يلزم شرعا؛ فإن شركة التأمين لم يحدث الضرر من ناحيتها، ولم تتسبب هي في حدوثه حتى تضمن هذا الضرر الذي لحق بالمُؤَمِّن. ولم تبذلك ـ كذلك ـ عملا تستحق به المال الذي حصلت عليه في هذه المعاوضة؛ فكان ما تأخذه أكلا للمال بالباطل.
راجع: "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٥/٢٤٦-٢٤٨) (١٥/٢٩٨) - "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (٢/٤٧١) – "أبحاث هيئة كبار العلماء" (٤/٩٣-١٤٢)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (١٥/٢٩٧) :
" لا يجوز للمسلم أن يؤمّن على نفسه ضد المرض، سواء كان في بلاد إسلامية أم في بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الغرر الفاحش والمقامرة " انتهى.
وقد نظر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة في ١٠ شعبان ١٣٩٨هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ ٤/٤/٩٧هـ. بقراره رقم (٥٥) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه.
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك.
"مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (٢/٤٧١)
وقد سئل الشيخ ابن جبرين:
ما حكم التأمين الصحي؟ حيث إن الدولة تأخذ أو تقتطع جزءا من أجر العامل لصالح صندوق الضمان الاجتماعي (التأمين) بشكل إجباري، وما حكم استرجاع ثمن الأدوية من هذا الصندوق كتعويض؟
فأجاب:
" إن التأمين كله بدعة، وعمل حادث لا أصل له في الشرع، سواء التأمين على الأنفس عن الحوادث وللعلاج، أو على المال أو على السيارات أو على الأولاد، وذلك أنه داخل في الغرر، وأكل المال بالباطل، وقد قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وهذا الوصف ينطبق على شركات التأمين، فإنها تفرض على الشخص ضريبة شهرية أو سنوية، وتأكلها سواء احتاج إليها الشخص أم لا، ولا تردها عليه، ولو دفعها عدة سنين ولم يحتج إليها، مما يحمل الكثير على التهور، والوقوع في الأخطار، لتدفع عنهم الشركة ما أخذت منهم، وفيه الغرر على الشركة، وعلى الأفراد، فعلى الإنسان أن يعتمد على الله، ويجتنب أسباب العطب والهلاك والتلف، ويحافظ على الصحة، ويحمي نفسه مهما استطاع، ليسلم من الأمراض ومن الحوادث والأعراض، فإذا أصابه شيء بقضاء وقدر فإن عليه الرضا بالقضاء، وعليه أن يفعل الأسباب المباحة في التداوي، ويصبر على تكلفة العلاج، فهو أيسر من فعله مع أهل التأمين بدفع أموال كثيرة، وقد لا يحتاج إلى الشركة فتذهب تلك الأموال بلا فائدة "
انتهى من موقع الشيخ ابن جبرين.
أما التأمين التعاوني: وهو الذي يتكون من تبرعات من المحسنين، ويقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب، ولا يقصد منه الربح، أو المعاوضة المالية، فهذا مباح لا إشكال فيه؛ لأنه تبرع محض، داخل في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/٢، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم (٢٦٩٩)
قال الشيخ ابن عثيمين:
التأمين التعاوني لا يقصد به المرابحة وإنما يقصد به التعاون على النكبات والحوادث.
وأما التأمين التجاري فالغرض منه المرابحة، وهو من الميسر الذي حرم الله عز وجل في كتابه، وقرنه بالخمر والأنصاب (أي الأصنام) والاستقسام بالأزلام " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (٣/٤) .
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٥/٢٨٨-٢٩٢) .
وللاستزادة: ينظر السؤال رقم: (٣٦٩٥٥) ، ورقم (١٠٩٢٥٠) ،ورقم (٤٢١٠) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب