للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هاشمية من آل البيت تشعر بتميزها عن الناس وتعاملهم بما لا يليق!

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا عندي مشكلة وهي: أنا هاشمية، ويرجع نسبي إلى " جعفر الطيار "، وعندما أذهب إلى أناس ليسوا من آل البيت، أو يقوم أحد بخطبتي ليس من آل البيت: أحس أنهم أقل منِّي، وما أقدر أتحدث إليهم، وإذا يوجد مجلس: أخرج منه، ولكن والدي، ومن حولي من أهلي ينصحوني، هل هذا الشيء يعد تفاخراً، وجاهلية، ولكن الله قال في كتابه العزيز (وجعلناكم شعوبا وقبائل) ؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن أصل الناس جميعاً واحد، وكل خلق الله من البشر فأبوهم آدم، وأمهم حواء، وقد ذكَّرنا الله تعالى بهذا في مواضع من كتابه، وكذا جاء ذلك في السنَّة النبوية، ومن الحكَم في ذلك: ترك التفاخر بالأنساب، والتطاول على الناس، وازدراؤهم.

وما جعل الله تعالى الناس شعوباً وقبائل إلا لأجل أن يعرف بعضهم بعضاً بتميز القبيلة والجنس، كالتميز بالاسم، لا لأجل التفاخر بعربيته، أو بقبيلته، أو بجنسه، أو بلغته.

وكون الإنسان هاشميّاً لا يرفعه عند ربه تعالى، وليس هو مجال المفاضلة بين الناس؛ لأن نسب الإنسان وهبي من الله ليس كسبيّاً، والكافر من بني هاشم سيكون حطب جهنم، والعبد الأعجمي المسلم قد يكون مأواه الفردوس الأعلى.

وقد جمع الله تعالى تلك الأشياء الثلاثة في سياق واحد، وآية واحدة، هي نفس الآية التي وردت في سؤالك، لكن يبدو أنك لم تتأمليها بما يكفي لفهمها.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/ ١٣.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:

" لمَّا كان قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى) يدل على استواء الناس في الأصل؛ لأن أباهم واحد، وأمهم واحدة، وكان في ذلك أكبر زاجر عن التفاخر بالأنساب، وتطاول بعض الناس على بعض: بيَّن تعالى أنه جعلهم شعوباً، وقبائل لأجل أن يتعارفوا، أي: يعرف بعضُهم بعضاً، ويتميز بعضهم عن بعض، لا لأجل أن يفتخر بعضهم على بعض، ويتطاول عليه، وذلك يدل على أن كون بعضهم أفضل من بعض، وأكرم منه: إنما يكون بسبب آخر غير الأنساب، وقد بيَّن الله ذلك هنا بقوله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فاتضح من هذا: أن الفضل، والكرم، إنما هو بتقوى الله، لا بغيره من الانتساب إلى القبائل، ولقد صدق من قال:

فقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب

وقد ذكروا أن سلمان رضي الله عنه كان يقول:

أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم

وهذه الآيات القرآنية، تدل على أن دين الإسلام سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى الألوان، ولا إلى العناصر، ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه: تقوى الله جل وعلا، وطاعته، فأكرم الناس، وأفضلهم: أتقاهم لله، ولا كرم، ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب " انتهى.

" أضواء البيان " (٧ / ٤١٧، ٤١٨) .

ثانياً:

ولا يشك مسلم أن الله تعالى قد فضَّل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بفضائل متعددة، وأوجب علينا محبتهم، ورعايتهم، لكن ننبه على أن ذلك للمؤمن منهم، لا لكل منتسب إليهم، وأن هذه الفضائل لا تدعو للتفاخر، بل تدعو لشكر المنعِم عز وجل، واحترام الآخرين، وتقدير تلك المحبة والرعاية منهم.

وفي جواب السؤال رقم (١٢١٩٤٨) بينَّا تلك الفضائل لآل البيت، فلتنظر.

ولما كان الفخر بالأنساب من كبائر الذنوب: وجب عليك التنبه لنفسك في موقفك مع الآخرين، وطريقة تعاملك معهم، وقد ورد النهي عن التفاخر بالأنساب في أحاديث كثيرة:

١. منها: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ) رواه الترمذي (٣٢٧٠) ، وأبو داود (٥١١٦) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".

والعبية - بضم العين وكسرها -: الكبر والفخر، الجِعلان: دويبة سوداء، كالخنفساء تدير الخراء بأنفها.

قال المباركفوري – رحمه الله -:

" قال الخطَّابي: معناه: أن الناس رجلان: مؤمن تقي فهو الخيِّر الفاضل، وإن لم يكن حسيباً في قومه، وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفاً رفيعاً. انتهى.

وقيل: معناه أن المفتخر إما مؤمن تقي، فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد، أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله، والذليل لا يستحق التكبر، فالتكبر منفي بكل حال " انتهى نقلاً من " تحفة الأحوذي " (١٠ / ٣١٧) .

٢. ومنها: حديث أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَْحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَْنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ) رواه مسلم (٩٣٤) .

قال عبد الرؤوف المناوي – رحمه الله -:

" (أربع) أي خصال أربع كائنة.

(في أمتي من أمر الجاهلية) أي: من أفعال أهلها.

(الفخر في الأحساب) أي: الشرف بالآباء، والتعاظم بمناقبهم.

(والطعن في الأنساب) أي: الوقوع فيها بنحو قدح، أو ذم.

(والاستسقاء بالنجوم) أي: اعتقاد أن نزول المطر بنجم كذا.

(والنياحة) أي: رفع الصوت بندب الميت، وتعديد شمائله.

فالأربع: محرَّمات، ومع ذلك لا تتركها هذه الأمة، أي: أكثرهم، مع العلم بتحريمها " انتهى.

" التيسير بشرح الجامع الصغير " (١ / ٢٧٣) .

فأعيدي النظر في طريقة تعاملك مع الناس، ولا يحل لك ازدراء أحد من الناس، وما أنتِ فيه من نعمة من انتسابك لأهل البيت ليس لك فيه كسب، وإنما الفضل الحقيقي بما تعملينه، وتكسبينه من الصالحات:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) رواه مسلم (٢٦٩٩) .

قال النووي رحمه الله:

" مَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ عَمَله نَاقِصًا , لَمْ يُلْحِقهُ بِمَرْتَبَةِ أَصْحَاب الْأَعْمَال , فَيَنْبَغِي أَلَّا يَتَّكِل عَلَى شَرَف النَّسَب , وَفَضِيلَة الْآبَاء , وَيُقَصِّر فِي الْعَمَل " انتهى من شرح صحيح مسلم.

وإن بقيتِ على حالك هذه: صارت تلك النعمة نقمة، وخسرتِ أشياء كثيرة، فتضيع عليك حسناتك، وتأخذين سيئات غيرك، وهذا هو عين الإفلاس:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ؛ التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاَ مَرَّاتٍ ـ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) .

وليكن قدوتك سيد آل البيت جميعاً، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف كان يعامل الكبار، وكيف كان رحيماً بالصغار، وكيف كان يصبر على الأعراب، ويقدِّم العجمي – كسلمان الفارسي لدينه – وليس في منهج حياته اعتبار لنسبه في تعامله مع الآخرين، وهذه حياته بين يديك، قلبي صفحاتها، وتأملي معانيها، واستغرقي في أحوالها: فلن تجدي حرفاً منها يماثل، ولا يقارب ما أنت عليه من حال.

نسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر أمرك، ويهدي قلبك.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>