زوجته تقوم الليل وتفرط في الفرض! وتغير حالها إلى الأسوأ فكيف يتصرف معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج من قرابة العامين والنصف، والحمد لله على ذلك، في أول أيام زواجنا كان كل شيء على ألف خير، والحمد لله، وكان اجتماعنا على كتاب الله ورياض الصالحين، وصيام الاثنين والخميس. ولكن دوام الحال من المحال - كما يقال في المثل الشعبي -، بعد مرور ثلاثة أشهر على زواجنا تغير على هذا حال الزوجة؛ حيث اكتشفت أنها من النساء اللاتي لا يقمن بأداء الصلاة في وقتها، وفي بعض الأحيان تجمع معظم الصلوات مرة واحدة، مع أنها في بعض الأوقات تقوم من الليل للصلاة. وهي أيضاً تعشق السهر بشكل كبير، مما يؤدي إلى النوم طوال النهار، وبعد أن كان البيت لا يوجد به جهاز التلفزيون، اضطررت إلى إدخال قناة إلى المنزل من قرابة ست أشهر بطلب منها. بالإضافة إلى أن اهتمامها بزوجها ليس من الأمور المهمة عندها، كثيرة الرفض للاستجابة إلى زوجها في الفراش، كثيرة التسويف لذلك، مع علمها بعقوبة ذلك الأمر؛ فهي حاملة لشهادة جامعية دارسات إسلامية!! وعندما أغضب عليها لا يؤثر ذلك فيها، وكأنه شيء عادي عندها، كم هي المرات التي تم هجرها في الفراش لكن لا حياة لمن تنادي، وكم عدد المرات التي تم التدخل من الأطراف الأخرى للإصلاح، ولكن للأسف الأمر كما هو من سيء إلى أسوء، بالإضافة إلى أن العناد صفة دائمة لها، شدة التمسك بما تقتنع به حتى لو كان على خطاء، أسلوب الاعتذار غير موجود عندها. ما هو الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحن في الحقيقة أمام حال غريبة من هذه الأخت، وهي تحمل تناقضات، فلا نستطيع الجمع بين كونها تصلي قيام الليل، وفي الوقت نفسه تترك بعض الصلوات المفروضة، أو تجمعها معاً!! فكيف تحرص على نافلة وتضيع فريضة من جنسها؟! وكيف تتقرب إلى الله بعبادة من أعظم نوافل العبادات – وهي قيام الليل – ثم تعصي ربها في أوجب الواجبات عليها، من تضييع الصلاة في وقتها، وعدم الاستجابة لطلب زوجها لفراشه؟!
فأين ما سمعته من آيات وأحاديث وأحكام في دراستها الشرعية؟! إن الحجة مقامة على هذه الأخت أكثر من غيرها، فهي تعرف الخطأ والصواب، وتعرف الطاعة والمعصية، فليس حكمها مثل حكم غيرها من الجاهلات، فلتنتبه لنفسها، ولتحاسب نفسها قبل أن تُحاسب، ولتزن أعمالها قبل أن توزن عليها.
ثانياً:
والواجب عليك أيها الزوج أن تنصحها وتذكرها بالله، وخاصة في مسألة الصلاة، ويجب أن تعرف أن العلماء قد اختلفوا في حكم من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها عامداً، وأن من السلف والخلف من كفَّره، بل قد نقل بعضهم إجماعاً للسلف على كفره! فكيف ترضى هي لنفسها أن تكون على حال مختلف فيه بين العلماء، ومثله يقال لك في حال إصرارها على التخلف عن بعض الصلوات والتفريط فيها، فمثلها لا يُحرص على إبقائها في عقد الزوجية، بعد بذل الأسباب في هدايتها.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن رجل لا يصلي الفجر جماعة، ولا وحده، وبقية الفروض يصليها على حسب راحته، هل يعتبر كافراً أم لا؟ .
فأجاب:
" هذه مسألة اختلف فيها العلماء - الذي يترك صلاةً واحدة حتى يخرج وقتها بدون عذر-، مِن العلماء من قال: إنه كافر، وإليه ذهب بعض السلف، وبعض الخلف، وهو رأي الشيخ عبد العزيز بن باز في وقتنا الحاضر أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر حتى خرج وقتها: فهو كافر، لكن الذي أرى: أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة نهائيّاً، وأن الذي يصلِّي ويترك مع إقراره بوجوبها: لا يكفر، لكن يعد من أفسق عباد الله؛ ... فذنبه أعظم من الزنا، وشرب الخمر، وقتل النفس ... ".
" لقاءات الباب المفتوح " (١٦٨ / السؤال رقم ٦) .
ولتعلم هذه الزوجة أن أداء الصلوات في غير وقتها من الكبائر، ولا تقبل هذه الصلوات المؤادة في غير أوقاتها، وهي وعدمها سواء، لذا فالواجب عليك أيها الزوج التشديد عليها في هذا الأمر: إما الاستقامة على الصلاة، وإما أن تفارقها.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا متزوج ابنة خالي، ومعي منها ولد، وهي لا تصلي، ولا تصوم شهر رمضان، وأخاف أن يلحقني بعد ذلك ذنب وإثم، وأنا في الوقت الحاضر محتار من هذا الأمر، أفيدوني جزاكم الله خيراً.
فأجابوا:
" أنت آثم في عشرتك إياها المدة الماضية وهي تاركة للصلاة والصيام دون أن تجتهد في نصحها وتحزم أمرك معها، أما اليوم: فإذا كان الأمر لا يزال على ما كان من تركها للصلاة والصيام: فاجتهد في أمرها بالصلاة وبالصيام وغيرهما من فرائض الإسلام، واستعن بالله، ثم بالحي من والديك ووالديها ومحارمها على نصحها، فإن أطاعت وتابت إلى الله وصلَّت: فالحمد لله، وعليك أن تحسن عشرتها، وإن أصرت على ترك الصلاة والصيام فطلِّقها، وما عند الله خير لك، والله المستعان؛ لأن ترك الصلاة كفر، وردة عن الإسلام؛ لحديث: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) - روه مسلم -؛ وقوله: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " - رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه -؛ وقال تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/ ١٠.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٨ / ٢٨٣، ٢٨٤) .
ثالثاً:
بعد أن ذكرناها بتقوى الله وطاعته، وخاصة في إقامة الصلاة في وقتها: فإننا نذكِّرها بحقوق الزوج، ووجوب طاعته، وقد قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/ ٣٤، وأنه لا يحل لها رفض دعوته إذا دعاها للفراش، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من الامتناع من زوجها إذا دعاها للفراش فقال: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (٣٠٦٥) ومسلم (١٧٣٦) ، كما لا يحل لها النشوز والإعراض، وقد أوجب الله تعالى عليها طاعة زوجها بما لا يخالف الشرع، وما تفعله من السهر الطويل في الليل، وتضييع الواجبات في النهار: أمرٌ منكر، ولا يحل لها الاستمرار عليه.
رابعاً:
أما ما تفعله أنت تجاهها: فإن عليك أن تتلطف في دعوتها وسلوك السبل الحكيمة في الإنكار عليها دون قسوة ودون غلظة، وقد قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم (٢٥٩٣) ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) رواه مسلم (٢٥٩٤) .
زانه: أي: زيَّنه.
شانه: أي: عَيَّبَه.
ويمكنك سلوك طرق شتى لإصلاحها وهدايتها، ومن ذلك:
١. الخطاب المباشر معها برفق ولين ومحبة.
٢. الاستعانة بالحي من أهلها أو أقاربها أو صديقاتها لنصحها وتوجيهها.
٣. الذهاب معها للعمرة، والمحافظة على الصلاة في الحرم.
٤. إسماعها الأشرطة المفيدة، وإعطاؤها الكتب النافعة لتعرف ما عليها من حقوق، ولتذكرها بالآخرة.
٥. التخلص من القنوات الفضائية التي أدخلتها بيتك بالكلية، أو الإبقاء على المفيد النافع منها كقناة " المجد "، وقناة " الحكمة ".
٦. البحث عن أسباب أخرى قد تكون غيَّرت من حالها، كصاحبة فاسدة، أو جارة، أو قريبة من شيطانات الإنس، ومنعها من اللقاء بها.
٧. الاستعانة بالدعاء والتضرع لله تعالى لأن يهديها ويصلح حالها.
وإذا لم ينفع ذلك كله: فطلِّقها طلقة واحدة لعلها ترعوي بها، وتراجع نفسها، فإن لم ينفع ذلك: فلا تراجعها، ودعها حتى تنقضي عدتها وتبين منك، ولعل الله أن يبدلك خيراً منها.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب