للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تواجه ضغوطاً اجتماعية جعلتها تترك الصلاة وتنزع الحجاب!

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا آنسة من. . . أعمل رئيسة قسم في إحدى الوزارات.

من عائلة ميسورة، ولها علاقات مع كبار المسئولين بالبلد.

أحس بغربة شديدة في مجتمعنا، أكره الاختلاط، وعدم اهتمام المجتمع بالدين، وأحب الحجاب، وأقرأ القرآن. .

رفضت كل من تقدم لي؛ لأنهم بعيدون عن الدين وليسوا ملتزمين، ويشربون الخمر.

سافرت مع أهلي للعمرة، استمتعت بالصلاة في الروضة الشريفة، واستمتعت بالصلاة والدعاء في مكة، واستمتعت بمجتمع السعودية المحافظ، واستمتعت بلبسي للنقاب والعباءة الذي لا أستطيع أن ألبسه في بلدي، وكانت متعة لا مثيل لها، وكانت أياماً من أسعد أيام حياتي.

أعمل طول اليوم حتى الساعة السادسة بعد الظهر، ثم أرجع للبيت وأصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء مع بعض؛ لأجل أن الشغل ما فيه مجال ولا مكان لنا خاص حتى الأماكن التي ممكن أن نتوضأ فيها مختلطة.

أحس بقرف شديد وأحس أن إيماني ضعف كثيراً، وخائفة من الفتنة.

لا أستطيع أن أتزوج، ولا أستطيع أن أقوم بواجباتي الدينية، إما أن أعيش مثل سائر الناس، وأرضى بواحد فاسق - والمعذرة على هذه الكلمة - وإما أن أخرج من هذه البلد التي كل ما فيها قرف في قرف.

" أنا دخلت كل مواقع الإنترنت المخصصة للزواج وهذا آخر أمل لي ".

المشكلة الآن أني توقفت عن الصلاة! وتوقفت عن قراءة القرآن لأنني أحس أن عيشتي نفاق في نفاق، أريد أن أتحجب، ورغبتي في الحجاب أكيدة، وأريد أتزوج وأصون نفسي من الفتنة.

كل صلاتي تكون بكاء وبكاء وكل ما أقرأ القرآن أبكي بمرارة، حياتي أصبحت مرارة في مرارة.

أغيثوني، أنقذوني من الفتنة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

نحن نقدر حجم المشكلة التي تعانين منها، ونقدر حجم الضغوط التي تتعرضين لها من أجل التنازل عن دينك والتزامك، وهذه المشكلة ليست مشكلتك فقط، بل هي مشكلة آلاف من المسلمين يريدون التمسك بأحكام هذا الدين القويم، ويريدون حياة الشرف والعفة والأخلاق، لكن تواجههم كثير من الصعاب، في ظل مجتمعات ـ وللأسف ـ انحرفت عن الإسلام كثيراً، وصارت تنظر بعين الاحتقار والسخرية والازدراء لكل من يتمسك بالدين، وفي ظل حكومات لا تتوانى في التضييق على الملتزمين، ولا يخفى على أحد ما تفعله بلادكم لحرب الإسلام والمتمسكين به، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم، وأن ينصر دينه وعباده المؤمنين.

ثانياً:

(ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن السلعة الغالية تحتاج إلى ثمن كبير، وليس هناك أغلى من الجنة، ولهذا لابد أن يوطن المسلم نفسه على أن أي صعوبات يواجهها في طريقه إلى الجنة، أنها أمر متوقع، وهي في حقيقة الأمر ـ مهما بلغت شدتها وقسوتها ـ لا تساوي شيئا إذا ما قورنت بالنعيم الذي ينتظره في الجنة.

فهذا مما يهوِّن على المسلم مصائب الدنيا، والصعوبات التي يواجهها في طريقه إلى الله.

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد أهل الأرض بؤساً ـ وهو من أهل الجنة ـ أنه يؤتى به يوم القيامة ويغمس في الجنة غمسة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم (٢٨٠٧) .

والعقل يذهب في تصوير حال هذا الشخص (أشد أهل الأرض بؤساً) كلَّ مذهب، ويتصور أفظع المواقف والابتلاءات، ومع ذلك، فغمسة واحدة في الجنة تنسيه كل ذلك.

وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أيام الصبر، والمتمسك بدينه في ذلك الوقت كالقابض على الجمر، ولعل هذا الزمان هو الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلابد من الصبر، ولابد من تحمل الصعاب ـ مهما كانت ـ بل لابد من مواجهتها، وإلا خسر الإنسان دنياه وأخراه (وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .

ثالثاً:

في ظل ما تعانين منه من ضغوط اجتماعية وسياسية ـ ونحن نقدر شدتها وقسوتها ـ هذه بعض النصائح التي نهديها إليك وإلى كل من يواجه مثل هذه المشكلة، مع التنبيه إلى أنه في ظل هذه الضغوط قد يجد المسلم ضيقاً شديداً وصعوبة بالغة في التمسك بأحكام الدين، فلا مناص من الرضا بأنصاف الحلول، وبعض الالتزام خوفاً من تركه بالكلية، ولكن بشرط أن يتطلع المسلم دائما إلى الأفضل، ويسعى بكل وسعه إلى تجاوز الصعاب، والتدرج إلى الكمال شيئاً فشيئاً.

فـ " أنصاف الحلول " هذه، ما هي إلا مرحلة مؤقتة، وليست دائمة.

وما لا يستطيع المسلم فعله بكامله اليوم بسبب ما يواجهه من ضغوط، فليفعل ما يستطيعه منه ـ على ما فيه من نقص ـ حتى يصل إلى الكمال شيئا فشيئا، ويتقبل المجتمع انتقاله من حال إلى حال، فإن ذلك أسهل من مواجهات ومشاكل لا طاقة للإنسان بها.

وهذه بعض النصائح، واعذرينا إن أطلنا عليك، ولكن الأمر خطير، وبالغ الأهمية، ويحتاج إليه كما قلنا آلاف وآلاف من المسلمين، فلا تكفيه كلمة أو كلمتان:

١- " لا حول ولا قوة إلا بالله "

كلمة جميلة، وهي كنز من كنوز الجنة، ومعناها: لا قدرة لنا على التحول من حال إلى حال، من معصية إلى طاعة، ومن تقصير إلى كمال....إلا بمعونة الله وتوفيقه وتسديده.

فلابد من الاستعانة بالله أولاً وآخراً، وفي سورة الفاتحة التي يقرؤها المسلم كل يوم مرات ومرات: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، فلا نستطيع القيام بعبادة الله إلا إذا وفقنا الله لذلك وأعاننا عليه، ومن دعاء أهل الجنة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) الأعراف/٤٣. وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا) "السلسلة الصحيحة" (٢٢٦) .

فلابد من الاستعانة بالله والاعتماد عليه واستشعار أن الأمور كلها بيده، بكلمة "كن" يفعل ما يريد.

فاستعيني بالله، وفوضي أمرك إليه، وثقي بفرج الله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) "أي كافيه" الطلاق/٣.

٢- الدعاء الدعاء

أكثري من الدعاء، بأن ييسر الله لك أمرك، ويوفقك لكل خير، ويلهمك رشدك، ويصرف عنك السوء وأهله، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه) فبالدعاء تفرج الهموم، وتزول الغموم.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) رواه أحمد (١٠٧٩٤) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (١٦٣٣) ، فالداعي على خيرٍ دائماً، ومهما أكثر من الدعاء فالله أكثر خيراً وإنعاماً وفضلاً.

٣- العبادات لاسيما الصلاة

عليك بالاهتمام بالعبادات، فإنها تحيي القلب، وتنبه الغافل، وهي من أهم عوامل الثبات، وإكمال المسيرة، بعد توفيق الله تعالى.

وأعظم العبادات: الصلاة، فإنها ركن الدين الركين بعد الشهادتين، وعمود الإسلام، ولا حياة للقلوب من غير الصلاة، وإنها لتريح العبد من كل الهموم والمضايقات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: (أرحنا بها يا بلال) "صحيح سنن أبي داود" (٤٩٨٥) .

فصلي، واخشعي، وتدبري، وابكي، وأزيلي عنك هموم الدنيا وتعبها.

٤- قراءة القرآن الكريم

حافظي على قراءة القرآن الكريم، ليكن لك وِرْد منه كل يوم، لا تتركيه، وليكن عندك تفسير مختصر يساعدك على فهم الآيات وتدبرها، كتفسير السعدي، أو أيسر التفاسير للشيخ أبي بكر الجزائري.

فإنه لا أعظم من كلام الله، ولا موعظة أبلغ من مواعظ الله، وليس هناك كتاب فيه الهداية والبيان والاستقامة وتفريج الكروب وإزالة الهموم: مثل القرآن.

٥- الأذكار والأدعية

داومي على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات والمناسبات المختلفة، كأذكار الصباح والمساء، وعند النوم والاستيقاظ، والأكل والشرب، وعند الخروج من المنزل، والدخول إليه...... وفي جميع الأحوال، مع التأكيد على أهمية معرفة معناها، ومن الكتب القيمة في هذا: كتاب "الفتوحات الربانية بشرح الأذكار النووية" لابن علان، فهو كتاب قيم، نتعلم منه معاني الأذكار، وكيف يكون تدبرها، حتى تحيى القلوب، وتكون متصلة بعلام الغيوب.

٦- سماع المحاضرات والخطب المفيدة

استمري في سماع المحاضرات المفيدة والخطب، فإن الإنسان ـ دائماً ـ يحتاج إلى من يذكره ويرشده وينصحه، ومن خلالها يتعلم الإنسان كثيراً من أحكام دينه، ويتعلم كيف يتصرف عند الأزمات.

٧- لابد من القراءة والتعلم

لابد أن تتعلمي وتقرأي وتتثقفي في الأمور الشرعية، فإنه (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري ومسلم، فلابد من الفقه والفهم ومعرفة الأحكام الشرعية، وكثير من الأمور التي تتأزم وتتعقد لو تَعَلَّم الإنسان حكمها أو سأل أهل العلم، لوجدها سهلة ميسرة لا تعقيد فيها، فقد يكون له رخصة لا يعلمها، أو يكون هناك بديل في الشرع يتيسر به الأمر.

ومن الكتب المفيدة التي ننصح بقراءتها: "فقه السنة" للشيخ سيد سابق، "الملخص الفقهي" للشيخ صالح الفوزان، "عودة الحجاب" للشيخ محمد بن إسماعيل، كما يمكنك التعلم أيضاً عن طريق المواقع الإسلامية المفيدة.

ولابد أن يكون لك قراءة في التاريخ المعاصر، لاسيما في بلدك، وكيف تمت فيه محاربة الإسلام؟ وكيف كان مكرهم؟ فإن معرفة المسلم بذلك تبعث فيه روح التحدي فيزداد تمسكاً بالإسلام.

٨- وأما موضوع الزواج

فهو في غاية الأهمية بلا شك، والمصالح المترتبة عليه بالنسبة لك كثيرة وكثيرة، منها:

أ- الاستقرار النفسي، والسكن والطمأنينة.

ب- سيكون سبباً بإذن الله لتخفيف الضغوط الاجتماعية والأسرية عنك، حيث ستنتقلين إلى سكن جديد مستقل عن أهلك وجيرانك ومجتمعك الذي يقيدك بقيود كثيرة لا تستطيعين الخلاص منها.

ج- تربية الذرية الصالحة على العفة والأمانة والحياء والتمسك بهذا الدين والعمل له، التربية التي افتقدها كثير منا – وللأسف -.

فيستطيع الإنسان أيفعل مع أولاده ما كان يتمنى أن يفعله معه أبوه، وتربية الذرية الصالحة من أهم مقاصد النكاح، والأمة تنتظر منك ومن أمثالك ممن يحبون هذا الدين، ويريدون الالتزام به، تنتظر منك ذرية صالحة مؤمنة، ينفع الله بها الأمة، ويغير الله بها الأوضاع إلى الأحسن.

وهناك مصالح أخرى كثيرة تحصلينها من وراء الزواج، ولذلك فنحن نؤكد عليك في هذا الأمر، ونظراًَ للظروف التي تعانين منها، فالنصيحة التي لا بد لك منها: إن جاءك من ترضين دينه وخلقه فلا تتأخري في قبوله، فإن لم يكن فارضي بـ (نصف متدين) ، إذا لم نستطع الكمال فلنرض بأحسن الموجود - وإن لم يكن كاملاً، وهذه نصيحة خاصة بك نظراً لظروفك الخاصة.

لا نعني بذلك أن ترضي بفاسق أو شارب للخمر، كلا، بل المراد أنه مستقيم في الجملة، محافظ على الصلاة، محب للدين عموماً، صاحب خلق ومروءة، وغيرة على الأعراض، وإن كان عنده بعض المعاصي الأخرى.

ويمكنك أن تأخذي بيده إلى الأحسن، بشخصيتك وقوة إقناعك وحكمتك في التعامل معه، كل هذا بعد توفيق الله تعالى لك وله.

ونحن لا نوافقك على أن دخولك مواقع الإنترنت هو آخر أمل لك، بل الآمال لا تنقطع، والمسلم دائما يرجو وينتظر الخير من ربه، ويحسن الظن بربه القائل في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) رواه البخاري ومسلم.

٩- وأما مشكلة الحجاب وعدم استطاعتك لبسه

فنكرر مرة أخرى أننا نقدر مدى الحرب الضروس التي تواجهينها في بلدكم من أجل الحجاب، ولذلك نرى أنه لا مانع ـ نظراً لظروفك الخاصة ـ أن تتدرجي إلى الحجاب شيئاً فشيئاً، فما لا يقبله الآباء أو المجتمع اليوم، قد يقبله بالتدرج بعد شهر أو شهرين أو سنة.

فعليك أن تلبسي ثياباً محتشمة بقدر الإمكان، وتحاولي جاهدة تغطية الرأس، ولبس ملابس واسعة شيئاً فشيئاً، حتى إذا اعتاد منك الناس الاحتشام يمكنك أن تنتقلي خطوة أخرى إلى الأمام حتى تصلي إلى الحجاب الكامل الذي فرضه الله على نساء المؤمنين، والذي تريدينه أنت، واستمتعت به في بلاد الحرمين فترة وجودك بها.

لكن لا تتعجلي، شيئاً فشيئاً تبلغين ما تريدين بإذن الله.

وهذه الطريقة ليست هي الطريقة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، ولكنها تكون مقبولة عند الضرورة، وعند ظروف خاصة مثل التي تمرين بها، فتحصيل بعض الشيء أحسن من لا شيء، والوصول إلى الكمال شيئا فشيئا خير من خسارة كل شيء.

١٠- وأما الصلاة

فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي صلة بين العبد وربه، فلذلك ينبغي أن يكون اهتمامك بها أشد، ولابد من المحافظة على أداء الصلاة في وقتها (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي لها وقت محدد. النساء/١٠.

ولا نظن أن هناك مشكلة بالنسبة لصلاتي الفجر والعشاء، وكذلك أيضاً صلاة المغرب في فصل الصيف، حيث سيدخل وقتها بعد خروجك من العمل بساعة أو ساعتين.

وعلى هذا، فهذه الصلوات لا عذر في تأخيرها عن وقتها، فاحرصي كل الحرص على صلاتها في الوقت المحدد لها شرعاً.

بقي عندنا صلاة الظهر والعصر، ويضم إليهما صلاة المغرب في فصل الشتاء.

والأصل - كما سبق – أنك تصلين كل صلاة في وقتها، فتحيني وقتاً يكون مكان الوضوء فيه خالياً من الرجال، فإن لم يمكن، فلا مانع من دخول "الخلاء" (مكان قضاء الحاجة) والوضوء بداخله، فإن الوضوء فيه صحيح، والغالب أن أرضيته – حتى وإن كانت مبتلة – تكون طاهرة، ويكون الماء الذي عليها طاهراً، فليس هناك محذور من الوضوء بداخله.

والواجب على المرأة عند الصلاة أن تستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين، فإن كنت لا تستطيعين في الوقت الحالي أن تكون ثيابك هكذا، فاحتفظي بحجاب أو ثياب خاصة للصلاة في مكتبك تلبسينها وقت الصلاة.

وليس للصلاة مكان خاص لا تؤدى إلا فيه، بل تؤدى الصلاة في أي مكان، فيمكنك انتهاز فرصة وجودك في مكتبك بمفردك فتصلين.

فإن ضاق الأمر ولم تستطيعي أن تصلي كل صلاة في وقتها، فنرجو أن يكون لك رخصة في الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فتؤخرين الظهر إلى وقت العصر وتصلينهما معاً، ولكن بشرط أن يكون ذلك قبل خروج وقت العصر، فيكون ذلك قبل غروب الشمس بنحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، فإن لم يمكن فلك رخصة إلى غروب الشمس، وليس هناك عذر لتأخير صلاة العصر إلى ما بعد غروب الشمس.

وأما صلاة المغرب في فصل الشتاء، فإن أمكنك فعلها في العمل فهذا هو الواجب، فإن لم يمكن فلك تأخيرها وجمعها مع صلاة العشاء جمع تأخير، أي في وقت صلاة العشاء، فتصلين المغرب والعشاء معاً إذا رجعت إلى بيتك.

واعملي أنك بذلك لا تكونين أخرت الصلاة عن وقتها، فإن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جائز للحاجة، ودفعاً للمشقة، سواء كان ذلك في الحضر أم في السفر، بخلاف قصر الصلاة، فإنه لا يجوز إلا في السفر.

لكن عليك أولاً أن تبذلي جهدك لفعل كل صلاة في وقتها، والمسلم لا تعوزه الحيلة، وقد كان بعض العسكريين الكبار لا يستطيع الاستئذان للصلاة، حتى لا يتهم بالأصولية أو الإرهاب، ويوضع تحت المراقبة، فكان يستأذن لدخول "الحمام" ثم يتوضأ ويذهب للصلاة، ثم يعود.

فلا نظن بك العجز عن التحايل وإيجاد فرصة لتصلي كل صلاة في وقتها، فإن لم يمكن فتجمعين بين الظهر والعصر كما سبق.

ونلفت نظرك في النهاية إلى أن كثيراً من المشاكل التي تتعرضين لها في العمل من تأخير الصلاة أو عدم قدرتك على لبس الحجاب، هي بسبب العمل في مكان مختلط بالرجال.

وعمل المرأة في مكان مختلط مع الرجال بلا ضوابط شرعية يؤدي إلى مفاسد كبيرة جدا، لا تخفى عليك، ولذلك كان من حكمة الشرع أن حرم هذا، فإن استطعت الانتقال إلى قسم آخر، أو عمل آخر، بعيدا عن الرجال، فإن هذا سيحل لك قدرا كبيرا من مشاكلك في العمل، أو تختارين ترك العمل رأساً، إلا إذا كان عليك ضغوط من أهلك في الاستمرار في هذا العمل، فنرجو أن يكون لك رخصة في الاستمرار فيه، مع محاولتك اتقاء مفاسده بقدر الإمكان.

وأخيراً. . يسرنا التواصل معك لإبداء الرأي والمشورة، ويسرنا أكثر وأكثر أن تبشرينا بأنك – فعلاً – قد عملت بهذه النصائح، وأنك قد انتقلت خطوات إلى الأمام، وأنك في طريقك إلى الكمال.

ونسأل الله تعالى أن يثبتك، ويوفقك لكل خير، ويصرف عنك السوء، ويرزقك الذرية الصالحة.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>