أحكام ومسائل متعددة لزوج اكتشف علاقة غرامية بين زوجته ورجل أجنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجتي على علاقة غرامية بشاب، في بادئ الأمر كان بينهما اتصالات هاتفية، ولكن وصلت فيها الوقاحة أن أحضرته إلى البيت أثناء غيابي، هي إلى الآن لا تعرف أني علمت بالأمر، وأني أنوي طلاقها. سؤالي: هل يحق لي شرعاً أن أستعيد ما دفعت لها من مهر، وأن أجبرها على التنازل عن مؤخر المهر الذي سجلته على نفسي بأوراق مثبتة في المحكمة الشرعية؟ . سؤالي الثاني: سرقت مني زوجتي عدة مبالغ مالية، ولم أكتشف أنها الفاعلة إلا بعد السرقة الأخيرة، فهل يحق لي مطالبة أهلها باستعادة ما سرقته مني بالإضافة إلى استعادة المهر الذي ذكرته في سؤالي السابق؟ . سؤالي الثالث: عندنا طفلتان، الكبيرة عمرها سنتان ونصف، والصغيرة عشرة أشهر، وتوقفت عن الرضاعة من أمها، فهل يحق لي أن أحرم زوجتي بعد أن أطلقها من تربيتهم؛ بسبب ما فعلته من خيانة , فأنا أريد أن أربي بناتي بنفسي؛ خوفا من سوء أخلاقها؟ . سؤالي الرابع: زوجتي الآن حامل، هل أستطيع أن أطلقها وهي حامل؟ . سؤالي الخامس: حسب تقرير الطبيبة: الحمل غير مستقر إلى الآن، وقد تتعرض للإجهاض، إذا حصل ذلك هل يجب أن أنتظر حتى تأتيها الدورة الشهرية لكي أطلقها , ما هو التوقيت الشرعي للطلاق؟ . سؤالي السادس: هل يكفي طلقة واحدة أم يجب أن أطلقها ثلاث مرات متباعدات. أفيدوني، جزاكم الله عني كل خير، فأنا بانتظار فتواكم حتى أبدأ بالطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بدَّ من تذكيرك أخي السائل قبل الإجابة على أسئلتك بأنك ترتكب إثماً عظيماً إن كنت تُخبر بخلاف الواقع، وبه تكون قاذفاً، تستحق الحد وهو ثمانون جلدة، وإن كنتَ صادقاً في دعواك فهي مصيبة ولا شك وابتلاء عظيم، ومع ذلك فإن مجرد وجود علاقة محرمة بين زوجتك وبين ذلك المجرم الآثم لا يعني حصول الزنا بينهما، لذا فينبغي لك الانتباه وأن تعلم أن عذاب الدنيا – وهو ثمانون جلدة – أهون من عذاب الآخرة، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع من يتهم زوجته.
عن ابن عمر قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا، وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
رواه البخاري (٥٠٠٥) ومسلم (١٤٩٣) – واللفظ له -.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ... .
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلَاّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: " عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (٩ / ٣٠) .
فإن ثبت بما لا مجال للشك به أنها على علاقة محرَّمة مع أجنبي، أو تبيَّن لك زناها، أو اعترفت هي لك به: جاز لك التضييق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها.
وإن كانت ليست على علاقة محرَّمة، ولم يتبين لك زناها، ولم تعترف: لم يجز لك ذلك التضييق.
وعلاقاتها المحرمة لا ينبغي لك السكوت عليها، فإما أن تختار البقاء معها بعد استتابتها وتذكيرها بقبح فعلها، وإما أن تختار فراقها، فإن كرهت بقاءها في ذمتك: فلك أن تطلقها مع إعطائها صداقها.
فأنت الآن بالخيار: إما أن تطلقها لفعلتها وتعطيها حقوقها، وإما أن تضيِّق عليها لتتنازل عن مؤخر صداقها، ولا يحل لك إبقاءها في ذمتك وهي على معصيتها دون توبة وإنابة منها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/ ١٩.
والفاحشة ليست هي الزنا فقط، بل ويدخل في لفظها: النشوز والعصيان للزوج، وسبه وسب أهله، ومن باب أولى دخول علاقتها المحرمة مع أجنبي في هذا اللفظ، وفي حكمه.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيَّب، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد، وعِكْرَمَة، وعَطاء الخراسانيّ، والضَّحَّاك، وأبو قِلابةَ، وأبو صالح، والسُّدِّي، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت: فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتُضَاجرهَا [تضيق عليها] حتى تتركه لك وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/٢٢٩.
وقال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير - أي: الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها، أو بعضه، ويفارقها، وهذا جيِّد، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (٢ / ٢٤١) .
ولا بدَّ أن تعلم أن مجرد زنا الزوجة لا يُسقط مهرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك عندها؛ إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد ذلك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه، أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (١٥ / ٣٢٠) .
ثانيا:
ما تأخذه المرأة من مال زوجها دون علمه له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك للإنفاق على نفسها، وعلى أولادها، وبيتها، ويكون سبب فعلها ذلك: بخل زوجها، وشحه في النفقة.
الحالة الثانية: أن يكون ذلك الأخذ لشراء كماليات، أو لإعطاء المال لأهلها، أو ما شابه ذلك من حالات الإنفاق.
وفي الحالة الأولى: لا يحل للزوج مطالبتها بهذا المال؛ لأنها أخذت ما هو حق لها؛ لأن نفقة الزوجة والأولاد واجبة على رب البيت، وإذا قصَّر فيها، أو منعها: جاز لها الأخذ من ماله، ولو دون علمه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند - امرأة أبي سفيان - للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح - (أي: بخيل) -، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ) .
رواه البخاري (٥٠٤٩) ومسلم (١٧١٤) .
قال النووي - رحمه الله - في ذِكر فوائد الحديث -:
ومنها: أنَّ مَن له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه: يجوز له أن يأخذ من ماله قدْر حقه بغير إذنه.
" شرح مسلم " (٤ / ٣٧٣) .
وفي الحالة الثانية: لا يحل للزوجة أخذ شيء منك لغير ما سبق مما يجب عليك بذله، فإن فعلت أثمت، ولك أن تطالبها بما أخذته، وإن رفضت: فلك أن تستوفي مالك من مؤخر صداقها، أو مما لها من مال في ذمتك، إلا أن تكون أخذت ذلك المال للصدقة على المحتاجين، ففيه تفصيل، لكن ليس لك مطالبتها بما أنفقته.
ثالثا:
الأصل أن الأم أحق بحضانة أولادها – قبل سن السابعة - ما لم تتزوج، وليس المقصود بالحضانة الطعام والشراب والإيواء المادي فقط، بل – وأيضاً، وهو المهم -: التربية، والتعليم، والرعاية النفسية والخلقية، فإن كانت الأم كافرة أو فاسقة فلا يجوز تمكينها من حضانة أولادها، وليست العبرة في الحضانة كون الحاضن أباً أو أمّاً، بل العبرة بما يقدمه للمحضون من رعاية وتربية على الإسلام، وعليه: فأحق الوالديْن بالحضانة: أحسنهما دِيناً، فإن كانت الأم بعد تطليقها على غيها ومعصيتها: لم يجز تمكينها من حضانة أولادها، وتكون الحضانة للأب، وإن تابت وأنابت: فهي أحق بحضانتهم ما لم تتزوج، و (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
قال شيخنا – أي: ابن تيمية -: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمْره الذي أوجبه الله عليه: فهو عاصٍ، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته: فلا ولاية له عليه، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود: طاعة الله ورسوله بحسب.
قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء سواء كان الوارث فاسقاً أو صاحاً بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان.
قال: فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة: فالحضانة هنا للأم قطعاً.
قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن، والله أعلم.
" زاد المعاد " (٥ / ٤٧٥، ٤٧٦) .
وانظر جواب السؤال رقم: (٢٠٧٠٥) .
رابعا:
طلاق الحامل طلاق شرعي، موافق للسنَّة، ويعتقد كثير من العامة أنه لا يقع، وقولهم لا أصل له في الشرع، بل هو طلاق سنِّي.
وقد روى مسلم (١٤٧١) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ".
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وأما الحامل: فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنَّة، من أول الحمل إلى آخره؛ لأن عدتها أن تضع ما في بطنها، وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهراً، أو حاملاً، ولم يخصَّ أول الحمل من آخره.
" التمهيد " (١٥ / ٨٠) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم (١٢٢٨٧) .
وتستطيع ـ حينئذ ـ أن تطلق زوجتك طلقة واحدة رجعية، وأنت بالخيار بعدها، إما أن تراجعها في العدة – وهي هنا وضع حملها – إن رأيت صلاحها واقتنعت بتوبتها، وإما أن تنتظر انتهاء عدتها فتصير بعده بائنة بينونة صغرى، فتصبح حرة نفسها، وتستطيع إرجاعها برغبتها وبموافقة ولي أمرها بعقد ومهر جديدين؛ لأنها أجنبية عنك.
ولا تستطيع تطليقها ثلاث طلقات في مجلس واحد، ولا بلفظ واحد؛ لأنه تطليق مخالف للسنَّة.
وانظر جواب السؤال رقم (٣٦٥٨٠) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب