بماذا تنصحونني مع هذه الفتاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أني متعلق بفتاة كانت خطيبتي قبل، حدثت مشاكل بيننا وتركتها، وهذه المشاكل حدثت لأننا أخبرنا الناس حول النكاح، وبعد ذلك غيرت رأيها حول النكاح، لذلك حدثت مشاكل، والآن تقدمت لخطبتها من جديد، ولم يأتني الرد من أهلها، ولكن رأيت الفتاة في مكان ما، وهي قالت لي بأنها لا تريد أن تتزوجني، وكانت علاقتي سابقة معها، وهي في الفترة التي كانت هي خطيبتي: كنا نتحدث عبر الإنترنت والهاتف بشكل يومي، ولمدة سنتين، وكنا فقط نتحدث فيما يرضى الله؛ ولأن قلبي متعلق بها، ولا أستطيع نسيانها، وأحبها، وأنا أحببت الفتاه أكثر عندما رأيتها متمسكة في دينها، ولكنها ترفضني باستمرار عندما أسالها أو أراها في مكان ما، وأنا - والحمد لله - إنسان مصلٍّ وأخاف الله، أسأل الله أن يحفظني من فتن الدنيا، وأريد أن أتزوج وأستر على نفسي وعلى الفتاة!! وأنا أريد أن أستر عليها أيضا لأنها أرسلت لي صورها من غير حجاب ورأيت شعرها وكتفيها!! ولقد أرجعت صورها لها من فترة بطلب منها!! بماذا تنصحونني، وبماذا تنصحون الفتاه؟ وما الأفضل لنا؟ وأتمنى لكم التوفيق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى أن يفرج عنا وعنك، وأن يرزقك السعادة في الدنيا والآخرة، كما أسأله سبحانه أن يتقبل منك سعيك نحو العفاف، ورغبتك في الوصول إلى ما يُرضِي اللهَ عز وجل.
ثم نوصيك بالتأني والتأمل في علاقتك بهذه الفتاة، بعد أن فشلت سنتان من الزمن في الجمع بينكما للوصول إلى الزواج السعيد، ولا بد أن هناك أسبابا حقيقية وراء هذا الفشل.
ولعل من أهمها - إذا كانت خطبتكما من غير عقد شرعي – تجاوزُ حدود الله تعالى في المبالغة في الحديث والاتصال اليومي من دون وجود رابط شرعي بينكما، وهذا التعدي مما ينتشر اليوم بدعوى التعارف والتآلف، وقد ثبت أن مفاسده تربو على مصالحه المتوهمة، وأن الأمر لا بد أن يصاغ بطريقته الحقيقية الشرعية، وهي العقد الكامل، وإلا فقد أسرف الطرفان على أنفسهما، ووقعا – غالبا – في كثير من المشاكل، والعلاقة التي تبدأ بمخالفة شرع الله مآلها الانقطاع والضياع.
لذلك فالنصيحة لك أن تطوي الأيام السابقة بالتوبة والاستغفار، وتعزم على فتح صفحة جديدة يكون الشرع والعقل فيها الحَكَم الأول والأخير، وليست العاطفة التي قد تقود إلى الآلام أو الإحباط أو الفشل.
إن التحدي الذي يواجهك اليوم هو القدرة على الاستغناء عن الخلق بالخالق، وهو الواجب الذي يحقق السعادة للمسلم المستسلم لأمر الله، فالتعلق بغير الخالق سبحانه مذلة للإنسان، مجلبة للهم والأحزان، يتحول القلب فيها إلى ريشة تسير حيث يسير المحبوب، وتقف حيث تستقل ركائبه، وذلك ما لا يرضاه الله سبحانه، ولا يجوز لعاقل أن يرضاه لنفسه.
وأنت بتقدمك لطلب الفتاة من أهلها تكون قد أتممت ما ينبغي عليك، وفي أي نتيجة يكون الخير فيها لك إن شاء الله:
فهي إذا وافقت تكون قد أقبلت إليك ناسية الماضي المتراكم من الخلافات التي فرقت بينكما، ليكون ذلك عبرة للتخلص من أسباب الخلاف والشقاق، والسعي دائما للتفاهم والحوار، وتقديم كل منكما من التنازل ما يرضى به قرينه وشريكه.
أما إذا رفضت: فينبغي أن يكون ذلك باعث اطمئنان لقلبك ونفسك، وليس باعث هم وحزن، فقد كفاك الله شر الاقتران بفتاة عن غير رضى ولا ارتياح، فيجب عليك أن تربأ بنفسك عن إيواء مَن لا ترضى بك زوجا ولا قرينا، ويجب أن يكون ذلك دافعا لك للبحث عن تلك الفتاة التي يتعلق قلبها بك، وترتاح لمرآك وحضورك، وليست التي تتردد في الارتباط بك.
يقول الله عز وجل: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/٢١٦
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره (ص/٩٦) :
" الغالب على العبد المؤمن أنه إذا أحب أمرا من الأمور فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له، فالأوفق له في ذلك، أن يشكر الله، ويجعل الخير في الواقع؛ لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه، وأقدر على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منه، كما قال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره، سواء سرتكم أو ساءتكم " انتهى.
فلا تُطمِع نفسك بما لم يكتب الله تعالى من رزق في الدنيا، فهي أقدار مقسومة وآجال مضروبة، ولن تنال منها إلا ما كتب لك، فلا تحزن إن فات محبوب، ولا تفرح إذا تحصل مطلوب، واسأل الله تعالى دائما الثبات والطمأنينة والرضا والقناعة.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ) رواه مسلم (١٠٥٤)
لقد خلق الله القلب نبعا فياضا من مشاعر المحبة والوفاء والإخلاص والاحترام، ولا ينضب هذا النبع إلا حين يصير الجسم جثة هامدة باردة بالموت، حينها فقط يمكنك أن تيأس وتخاف ألا يبذل القلب حبه لمن يستحق المحبة.
أما أن تحاول إقناع نفسك بأن هذه هي الفرصة الوحيدة والأخيرة، وأنها قصة ضحية لا يمكن أن يسعد في حياته مع غير تلك الفتاة، فاسمح لي أن أقول لك إنك مخطئ في ذلك الظن، وأن الشيطان هو الذي يسول ويملي لك، وأنك إن استرسلت في تعلقك ذلك فلن تبلغ إلا إلى الشقاء والتعاسة.
والحل سهل إن شاء الله تعالى، بشرط أن تدرب نفسك على تحمل الألم القلبي، وتأكد أنه لن يطول، إنما هي أيام أو أسابيع، وغايتها ستة أشهر يعدها علماء النفس فترة فطام نفسي، يسلو القلب فيها عن حزن فراق أو موت، ويعود بعدها أقوى وأثبت مما كان إن شاء الله.
وثمة قاعدة يتفق عليها جميع العقلاء والحكماء والعلماء والمربون وعلماء النفس وأصحاب الخبرة والتجربة، وهي: أن كل شخص في الدنيا يمكنه أن يستغني عن أي شخص آخر، فالله سبحانه وتعالى حصر حاجة النفوس إليه سبحانه، وقطع عنها كل علقة مطلقة بالبشر.
فإذا أدركت هذه الحقيقة، هان عليك الخطب، وسهل عليك الأمر، وكسبت دنياك وقلبك وآخرتك، ودرأت عن نفسك أوهام الشيطان ووساوسه، ثم فوق كل ذلك، تعاملت مع الأمر بكل هدوء وعقلانية، فإن يسر الله هذه الفتاة زوجة كان بها، وإن لم ييسرها فإن الله سبحانه يقول: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/١٣٠
هذه هي القاعدة التي ننصحك بحفظها والإيمان بها والعمل على ضوء ما فيها.
وَكانَت لِقَطعِ الحَبلِ بَيني وَبَينَها كَناذِرَةٍ نَذرًا وَفَت فَأَحَلَّتِ
فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ
وَلَم يَلقَ إِنسانٌ مِنَ الحُبَّ مَيعَةً تَعُمُّ وَلا عَمياءَ إِلّا تَجَلَّتِ
فَإِنَ سَأَلَ الواشُونَ فِيمَ صَرَمتُها فَقُل نَفس حُر ّسُلِّيَت فَتَسَلَّتِ
ويمكنك الاستعانة بما في الأجوبة الآتية: (٣٩٩٣١) ، (٨١٩٩١) ، (٧٢٣٨٩) ، (١٠١٧١٣)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب