حكم (بزناس) ومثيلاتها من عمليات الخداع
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت قبل عدة أشهر شركة تسمى (بزناس) تقوم على نوع من التسويق وتتلخص فكرتها في أن يشتري الشخص منتجات الشركة ـ وهي عبارة عن برامج وموقع وبريد إلكتروني ـ بمبلغ ٩٩ دولارا ويُعطى بعد الشراء الفرصة في أن يُسوِّق منتجاتها لآخرين مقابل عمولات محددة.
ثم يقوم هذا الشخص بإقناع شخصين آخرين بالانضمام للبرنامج، بمعنى أن يشتري كل منهما منتجات الشركة، ويكون لهما الحق أيضا في جذب مسوقين آخرين مقابل عمولات كذلك.
ثم يقوم كل واحد من هذين بإقناع شخصين آخرين بالانضمام، وهكذا. فستتكون من هذه الآلية شجرة من الأتباع الذين انضموا للبرنامج على شكل هرم.
أما طريقة احتساب العمولات فتشترط الشركة ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم من خلال المشتري (المشترك) ومن يليه في شجرة المشتري عن ٩ أشخاص من أجل الحصول على العمولة (على ألا يقل عدد الأعضاء تحت كل واحد من الاثنين الأولين عن اثنين، وتبلغ العمولة ٥٥ دولاراً. ويتم صرف العمولة في مقابل كل ٩ أشخاص (ويسمى كل تسعة أشخاص في التسلسل الهرمي "درجة") .
ونظراً إلى أن الهرم يتضاعف كل مرة يضاف فيها مستوى جديد أو طبقة جديدة للشجرة، فإن العمولة تتزايد كل مرة بشكل كبير.
إذا افترضنا أن الشجرة تنمو كل شهر، بمعنى أنه في كل شهر ينضم شخصان لكل شخص في الهرم (كما هو افتراض الشركة في موقعها) ، فهذا يعني أن العمولة التي يحصل عليها العضو تصل إلى أكثر من خمسة وعشرين ألف دولار في الشهر الثاني عشر، ويستمر التضاعف في كل شهر
وهذا مصدر الإغراء في هذا النوع من البرامج، فمقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز ١٠٠ دولار، يحصل المشترك على مئات بل آلاف أضعاف المبلغ.
ولذلك تسوّق هذه الشركات برامجها من خلال وعود بالثراء الفاحش في مدة يسيرة من خلال النمو المضاعف للهرم.
السؤال: ما حكم هذه المعاملة خاصة أنها انتشرت بصورة واضحة وتعددت الأقوال فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام على مثل هذه المعاملات التي يسرع انتشارها ويكثر غموضها والتباسها على العامة، ويشتد إغراؤها لا بد فيه من أمرين:
الأول: بيان الحكم الشرعي المبني على النصوص والقواعد الشرعية، وعلى تصور المسألة من حيث حقيقتها ونتائجها وتاريخها.
الثاني: علاج النفس وتوطينها على الأخذ بالحكم الشرعي وعدم التعلق بالشُّبه.
ونظراً لحاجة المسألة إلى إطالة النفس فيها فسنقدِّم بجواب مختصر للسؤال يتلوه ذكر للقواعد الشرعية في هذا المقام وتفصيل للجواب.
الجواب المجمل على السؤال:
بالنظر إلى صورة هذه المعاملة (بزناس) وحقيقتها، وما ذكره مندوبو هذه الشركة من معلومات وشروط عنها، وكذلك ما ذكره المتكلمون عنها من أدلة وشروط للمنع منها أو إباحتها.
وبعرض كل هذا على نصوص القرآن والسنة وقواعد الشريعة في أبواب المعاملات وأٌقوال العلماء يتبين أن هذه المعاملة محرّمة، لعدة وجوه أهمها:
١. أن هذه المعاملة مبنية على الميسر وأكل أموال الناس بالباطل وتحوي تغريراً وخداعاً للناس وإطماعاً لهم في المال واستغلالاً لغريزة حب الإكثار منه عندهم. وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة / ٩٠، وقال: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) البقرة / ١٨٨، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) مسلم (٢١٣٧) وهذا التشبيه في الحديث يجعل هذا التحريم مغلظا جدا.
٢. يتبيّن بعد النظر الفاحص أن إدخال السلعة ـ وهي البرامج والموقع والبريد ـ في هذه المعاملة لا يغيِّر من حكمها، لوضوح كون هذه السلعة ليست مقصودة من قِبَل معظم المتهافتين على الشراء. وإذا ثبت هذا بالقرائن المذكورة في تفصيل الجواب فإن دخول السلعة بهذا الشكل لا يزيدها إلا حرمة لاشتمالها على التحايل المؤدِّي إلى معاملة محرمة من معاملات الميسر.
٣. المعاملة ليست من قبيل السمسرة المباحة من أوجه متعددة منها: اشتراط دفع مال للدخول فيها بخلاف السمسرة فإنه لا يشترط فيها ذلك، وكذلك فإنه ليس المقصود فيها بيع سلعة لمن يحتاجها وإنما بناء نظام حوافز شبكي. ولو سُلِّم جدلا بأنها سمسرة فإنها محرمة لاشتمالها على التغرير بالمشتري وتمنيته بالباطل وعدم نصحه وعليه فلا يصحُّ قول من أباحها على أنها سمسرة، ولعل ذلك لأن المسألة لم تعرض لهم على حقيقتها، أو لم يتصوَّروها تصوُّرا صحيحا.
وهذا الحكم منسحب في مجمله على كثير من المعاملات الموجودة الآن والتي تشابهها مما يطرح في السوق الآن.
ومن أراد الاستزادة فليراجع تفاصيل النقاط في الجواب المفصَّل وما يسبقه من قواعد عامة.
الجواب المفصَّل:
قبل تفصيل الإجابة على هذا السؤال وتحقيقاً لأمر توطين النفس على قبول الحكم الشرعي لا بدَّ من التقديم ببعض القواعد الشرعية ونحوها التي تعين المسلم ـ المذعن لحكم الله ـ على التعامل باطمئنان وثقة وانشراح مع هذه المعاملة ومع أمثالها من المعاملات التي تفتقت عنها وستتفتق عنها عقول بعض أصحاب المشروعات التجارية، لاسيما مع توفر خمسة عوامل رئيسية لانتشار مثل هذه المعاملات. هي:
١- ذيوع وسائل الاتصال والدعاية والإعلان.
٢- سهولة التواصل المالي عبر البطاقات ونحوها.
٣- تزايد الحاجة للمال عند عامة الناس، بسبب الإغراق في الكماليات.
٤- وجود أصل غريزة الطمع وحب المال في النفس البشرية.
٥- ضعف التدين وقلة تحرِّي الحلال عند كثير من المسلمين.
وفيما يلي عدة قواعد تعين على التعامل مع هذه المعاملة وما ظهر وما سيظهر من مثيلاتها ينبغي الانتباه لها والاهتمام بها:
١- فتنة المال من أعظم الفتن التي تؤثر على الإنسان في دينه وفي بركة ما عنده من مال وولد فينبغي الحذر والتحرِّي في حلِّ مصادره أشد التحري.
٢- اتقاء الأمور المشتبهات، قاعدة مقررة في الشريعة حتى لو لم يُسلِّم الإنسان بتحريم الأمر المشتبِه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: (الحلال بيِّن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) البخاري (٥٢) مسلم (١٥٩٩) .
٣- (ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه، وما لا فلا تُتْبعه نفسَك) رواه البخاري (١٣٨) مرفوعا، أي لا تجعل نفسك تتعلق بالمال الذي ليس في يدك دفعاً لما يحصل في النفس من حزن وحسرة إذا لم تحصُل عليه. والنهي عن التعلُّق في هذا الحديث ورد في الكلام عن العطية وهي هدية مباحة في أصلها فكيف بالتعلُّق بالأموال المشتبهة؟ بل كيف بالتعلُّق بالأموال المحرمة؟ ، فلا بدَّ أن يكون أكثر أثرا سلبيا في النفس وأشد في المنع.
٤- (من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه) رواه أحمد وصححه الألباني، وهذا يعمُّ مَنْ تَرَك الحرام ومن ترك المشتبه فيه.
٥- البَرَكة في المال وإن قلَّ أعظم وأولى بالبحث من كثرته من طريق محرم أو مشكوك فيه.
٦- على المسلم أن يكون صادقا مع نفسه تمام الصدق في معرفة مقصده من مثل هذه المعاملات هل هو الرغبة في الوصول للمال والسلعة حيلة لإضعاف لوم النفس والناس، أم أن السلعة مقصودة أساسا؟ وأن يعلم أن ما يخفيه من مقاصده معلوم عند الله الذي يعلم السر وأخفى، وأنه سبحانه سائله ومحاسبه عن ذلك.
٧- الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإخفاء بعض المعلومات عن المفتي لا يبيح الأخذ بفتواه، ولا يعذر الآخذ بها ما دام يعلم أن المفتي لم تعرض عليه الصورة كاملة، ولم يطَّلع على حقيقة المسألة.
٨- (البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) رواه أحمد (١٧٣٢٠) وقال الألباني في صحيح الترغيب ١٧٣٤ حسن لغيره.
٩- آكِل المال الحرام إذا كان معترفا بوقوعه في الحرمة أخف جرما ممن يأكله مستعملا الخديعة والتدليس والحيل؛ لأن الثاني قد أضاف إلى أكله للحرام ذنبا آخر وهو مخادعة الله. قال ابن القيم: (فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق إلى شرعه ودينه وأنه يحرم الشيء لمفسدة ويبيحه لأعظم منها ولهذا قال أيوب السختياني يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون) إغاثة اللهفان ١/٣٥٤.
١٠- ما ثبت عند الإنسان تحريمه فعليه أن يقطع تعلُّق نفسه به وأسفه إذا فاته ورآه عند الآخرين وليحمد الله على أن سلَّمه، وليسألْه سبحانه أن يبغِّض إليه الحرام مهما كثُر ويرزقه دوام اجتنابه، وأن يعينه على مجاهدة نفسه لقطع هذا التعلُّق.
١١- أحكام الشرع مبناها على تمام العلم والحكمة. وهي تراعي المصلحة العامة الكلِّية وإن كان فيها ما يُظن أنه إضرار ببعض المصالح الخاصة، فعلى المسلم أن لا ينظر إلى ما يحصِّله هو من نفع مادي خاص ويُغفل ما ترمي إليه الشريعة من المصلحة الكلية العامة.
أما تفاصيل الجواب فيمكن حصرها في ثلاث نقاط:
أولا: هذه المعاملة بناءً على تكييفها الاقتصادي فيها مشابهة كبيرة بمعاملة (التسلسل الهرمي) أو (التسويق الهرمي) وإن كانت لا تماثلها من جميع الوجوه، وأصل معاملات التسويق الهرمي يقوم على بناء نظام حوافز شبكي هرمي، ولم ينظر الذين وضعوها في الغرب إلا إلى كسب المال بِغضِّ النظر عن حلِّ المصدر وحرمته. وبعرض هذا النظام على نصوص الشريعة وقواعدها يتبين تحريمه من عدة وجوه منها:
١. بناؤه على أكل أموال الناس بالباطل نظراً لأنه لا بدَّ لهذا التسلسل الهرمي من أن يكون له مستوى نهائي، وهو آخر من وصل إليهم التسلسل الهرمي، وهؤلاء خاسرون قطعاً لمصلحة الطبقات الأعلى. ولا يمكن نموُّ الهرم إلا في وجود من يخسر لمصلحة المستويات العليا التي تجني عمولات خيالية، وآخر طبقتين في كل فرع تكون الأولى منهما كاذبة تُمنِّي التي تليها بالربح، والطبقة الأخيرة مستغفلة مخدوعة ستشتري ولن تجد من تبيعه، وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المشدِّدة في حرمة أكل أموال الناس بالباطل.
٢. بناؤه على الميسر وهو أن يدفع شخص مالاً مقابل أن يحصل على مال أكثر منه أو يخسر ماله. وهذا هو واقع من يدخل في مثل هذه المعاملات، وهذا من أهم وأوضح أسباب التحريم.
٣. نظراً لاحتواء معاملات التسلسل الهرمي على تغرير وخداع ومفاسد كثيرة فقد منعته وحرَّمته الأنظمة الغربية الكافرة ـ إذا كان في صورته الخالية من إدخال سلعة فيها ـ مع كونهم يبيحون الربا والقمار والميسر أصلاً، وحذَّر عقلاؤهم منه (انظر الموقع التالي والمواقع العديدة المرتبطة به http://skepdic.com/pyramid.html) .
وبناء على ما سبق فإن معاملة بزناس التي ورد السؤال عنها تدخلها عدة أوجه من أوجه التحريم هنا بسبب مشابهتها للتسلسل الهرمي في أصل الأسباب التي يحرم من أجلها وهي الميسر وأكل المال بالباطل.
ثانيا: إدخال السلعة في هذه المعاملة لا ينقلها إلى الإباحة ولا يزيل أسباب التحريم بل هو أقرب إلى كونه سبباً في تشديد حرمتها. نظرا لكونه تحيُّلا للوصول إلى تمرير هذه المعاملة والإيهام بكون السلعة مقصودة " وتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة على المفسدة التي حُرِّمَت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله ورسوله " إغاثة اللهفان ١/٣٥٤
ويظهر عدم تأثير السلعة في إباحة المعاملة من خلال الآتي:
١. أهم دافع للشراء عند المشتركين هو التسويق لا السلعة بدليل أن أمثال هذه البرامج والخدمات كانت موجودة قبل هذه الشركة بسنوات ولا تزال، وبأسعار أقلَّ! فما الذي جعل التكالب عليها بهذه الكثرة، ومن هذه الشركة بالذات سوى قصد الدخل المتولد من الاشتراك فيها؟؟.
٢. الاحتجاج بأن المواد نافعة جدا وسهلة ولها تميُّز عن غيرها وتستحق أن يدفع فيها مائة دولار، على التسليم به في بعض الخدمات إلا أن هذا الكلام مخدوش بأن هذه البرامج غير محفوظة الحقوق في الموقع عن الاستفادة الشخصية عبر من سبق له الشراء دون أن يدفع المستفيد الجديد شيئاً، بل الاشتراك الواحد يمكن أن يستعمله العشرات ويستفيدوا من كل ما في الموقع من خدمات. وهي غير محفوظة الحقوق إلا عن استغلالها من قبل شركات أخرى. فما الدافع لبذل المال فيها إلا الدخول في هذا التسويق الهرمي (الميسر) ؟.
٣. وجود شرط ملجئ للدخول في هذا التسويق الهرمي وهو شرط شراء المنتج بسعر أكثر من قيمة مُماثله؛ من أجل الحصول على العمولة الأكبر واستعمال موقع الشركة في الدعاية والتسويق. فبتأثير الإغراء يدفع الإنسان هذه الزيادة الباهظة على أمل تعويضها وأكثر منها عبر التسويق الذي هو قصده الأول، وهذا هو عين الميسر المنهي عنه شرعاً.
٤. ذكر العمولات المغرية نظير التسويق هو دافع الناس للشراء والاشتراك، بدليل عدم شرائهم ـ غالبا ـ إلا بذكرها. وبدليل إمكانية موافقة البعض على الشراء دون الإطلاع على فحوى المواد أو عدم الحاجة إليها من حيث الأصل. وواقع الكثيرين من حيث عدم الاستفادة من أكثر البرامج يزيد تأكيد هذا، بل البعض لم يستعمل شيئا من البرامج أصلا.
٥. المبلغ المطلوب للاشتراك (٩٩ دولارا) يوازي في بعض البلاد راتب شهر أو يزيد، ويمتنع في عادة الناس دفع مثل هذا المبلغ نظير هذه البرامج إلا مع وجود قصد الربح المؤمَّل تحصيلُه، ومع ذلك يكثر شراؤها بل قد يقترض الإنسان من أجلها.
٦. من اشترى من أجل المنتج (السلعة) عندما يعلم بأن الشركة تصرِّح بأن ثلاثة أرباع ما دفعه سيُنفق على التسويق بدلا من شركات الإعلان فإن ذلك سيحفِّزه نفسيا للاشتراك في التسويق لتعويض ما دفعه من زيادة كبيرة على القيمة فيدخل في عملية التسويق، ثم ينساق وراءها ولا يتوقف عند تعويض خسارته، بل يواصل العملية.
٧. بعض المتهافتين يشتري سلعة هذه الشركة أكثر من مرة ـ ووصلت عند بعضهم كما حدّث بنفسه إلى مائة مرة!! ـ مع العلم أن الشراء مرة واحدة كفيل باستفادة هذا المشترك من كل البرامج في أي جهاز شاء وفي أي وقت، وهذه الصورة لا يشك أحد في كونها ميسرا، وفيها دليل واضح على أن قصد هذه المعاملة إنما هو هذا التعامل الميسري.
٨. تلزم الشركة المشتركين لاستمرارهم في التسويق واستمرار العمولات المتضاعفة لهم بتجديد الاشتراك سنويا بنفس المبلغ، زعما بأنها ستضيف خدمات جديدة، وهذا التجديد ـ على التسليم بحصوله ـ عبارة عن شراء لمجهول بثمن معلوم؛ إذ هذا المستحدث قد يكون قليلا أو يحوي برامج ليس للمشترك عناية بها، وهذا الشراء محرّم لما فيه من الغرر وجهالة أحد طرفي البيع جهالة مؤثِّرة.
٩. رجوع الإنسان إلى نفسه لمعرفة نيَّته وقصده من هذه المعاملة يسهِّل عليه إدراك أن المقصد هو الدخول في التسويق الهرمي خاصة مع وجود أكثر ما يحتاجه من البرامج والخدمات مجانا أو بسعر أقل بكثير في مواقع أخرى، مع إمكانية تركه لشراء ما لا يحتاجه من البرامج إما لسهولته عليه أو عدم اهتمامه به.
ثالثا: المعاملة ليست من قبيل السمسرة المباحة لاختلافها عنها في نقاط جوهرية تُغيِّر الحكم وتمنع إلحاقها بها، ومن ذكر من المفتين أنها سمسرة فإنما أجاب على أسئلة لم يذكر فيها من التفاصيل التي تصوِّر له المسألة تصويراً صحيحاً مما يجعل فتواه غير منطبقة على الواقع، ومن شروط صحة الحكم بناؤه على تصوُّرٍ صحيحٍ للمسألة، وعليه فلا يجوز للإنسان أن يُقلِّد من يعلم أن حكمه مبنيٌّ على تصوير ناقص للمسألة.
ومن الفروق بين هذه المعاملة وبين السمسرة المباحة:
١. أن السمسرة هي دلالة على سلعة أو منفعة مقصودةٍ لذاتها ستصل في النهاية إلى المستفيد حقيقةً لينتفع بها، أما عملية التسويق الموجودة في هذه الشركة فهي بيع فرص تسويق على أشخاص ليبيعوها لغيرهم لتصل في النهاية إلى شخص أو أشخاص لا يجدون ما يؤمِّلونه من العقد.
٢. أن السمسرة لا يشترط أن يدفع فيها السمسار شيئاً من المال إذ ليس من مصلحة صاحب السلعة أن يعرقل السمسار بوضع شرط الدفع له أو الشراء منه، أما هذا التسويق لمن كان قاصدا له فمن شرط الدخول فيه أو الحصول على مِيزاته دفعُ مبلغ ـ ضمن ثمن البرامج ـ ليكون مسوِّقاً، وتجديد الدفع سنويا للاستمرار في التسويق.
٣. السمسار يحرص على البحث عن أكثر الناس حاجة للسلعة أما المسوِّق في هذه المعاملة فيحرص على البحث عن الأقدر على تسويق المعاملة، بِغَضِّ النظر عن حاجته.
٤. السمسار لا علاقة له بما يفعله المشترون بالسلعة أما المسوِّق في هذه المعاملة فيحتاج إلى أن يستمر في تسويق السلعة حتى يكمل العدد ليحصل على العمولة.
٥. في السمسرة يأخذ السمسار على قدر ما يسوِّقه من السلع، أما في هذه المعاملة فقد يشترك اثنان في عدد من تُسوَّق لهم السلعة مباشرة أو بالتسبب ويكون بينهما من التفاوت في العمولات فرق كبير جدا بسبب ما يشترطونه من كيفية لاستحقاق العمولة، وهذا يؤكد أن بناء شبكة التسويق الهرمي هو المقصود أصالةً لا ما يدَّعون من السلع.
وهذه الفروق الخمسة بين المعاملتين تدل على اختلاف حقيقتهما بما يمنع من إباحة معاملة بزناس قياسا على السمسرة، لاسيما أن في معاملة بزناس أسباب واضحة للتحريم كما سبق.
٦. لو فرضنا أنها سمسرة ـ وهذا غير صحيح ـ فإن الحرمة تدخلها من جهة أن هذا المسوِّق لا يمكن أن يُبيِّن لمن يعرض عليه أن هذه السلعة يوجد مثلها في غير هذه الشركة بربع المبلغ أو نصفه، أو أنه قد لا يحتاج لبعضها، فضلا عن أن يخبره بإمكان الاستفادة الشخصية الكاملة منها من الموقع عبر رقم المسوِّق الخاص دون التأثير عليه ودون دفع شيء، ولا بد أن يركِّز معه على ذكر العمولة الكبيرة التي سيحصل عليها إذا اشترى وسوَّق.
٧. من جعلها سمسرة وأباحها اشترط أن لا يكون في تسويقها مخادعة أو أن لا يمدحها بما ليس فيها، وهذا غير متحقق عادة عند كثير من هؤلاء المسوِّقين لما سبق بيانه.
وبهذا التفصيل في الجواب يتبيَّن حرمة هذه المعاملة وحرمة مثيلاتها، ونصيحتنا في هذا المقام لأصحاب هذه الشركة ومندوبيها أن يتقوا الله في البحث عن مصادر الرزق البعيدة عن الحرمة أو الشبهة، وأن يتقوا الله في أموال إخوانهم المسلمين قبل أن لا يكون درهم ولا دينار وإنما هي الحسنات والسيئات، وليس هناك إلا جنة أو نار.
وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب